خذ بقاياك يا أنايا

30.08.2024 מאת: مصطفى محمد كبار
خذ بقاياك يا أنايا

 

خذ بقاياك يا أنايا

حجرٌ أنا
و سئمت من بوح الكلام 
بوجع المنام
فلا غدٌ يسطعني في التأمل
بالخير
و لا الشرود في وحي القوافي
يستكن بالروح المدمنة 
أنا شاعر الأحزان من وجع الأماني
التي ماتت 
أنا نكبة الحالمين في العدم أُصارع
أيام الندم
فخذ بقاياك من جسدي يا أنا
و كالغرباء إمضي قدماً للبعيد
ابتعد ألفاً و ألفاً
غادر برعشة الروح الاخيرة من 
تهمشي بعتمة الظلام
ضع زمني في سلة ذكرياتك 
القديمة 
و انصرف كالغيم في بعد المدى
فإني أعترف و سأعترف بخيبتي
و خيبتي
بأني لم أحفظ كل مزاياك المدونة 
بأبجديتي
و لم أفهم قصدك بأولى البدايات 
حينما قرات من وجع الحرمان
و أعترف إني لم أحمل عنك راية
الهزيمة في الإنكسار
فلا تنتظرني بموعدٍ آخر هناك
يا أيها الشريد البعيد 
و خذ و أنت على طريق سفرك الطويل 
كل لونك من جلدي 
و اغرب عن بقاياي عن منامي الثكلى
و من ضجري 
فخذ معك كل الوقت من الوقت 
لأكتفي هنا و أتوقف عن
الكتابة
كي لا تمضي في النسيان و أنت
خالي من مر الزمان 
عابرٌ بالجوار الحتف عند أبواب القيامة 
إن جاهلك الرب هناك
و إنسى زمني الشارد الكافر بين صلواتي 
تائهاً بجرحي العتيق
فأنا لم أعد قادراً على حملك الثقيل 
بوجع الحياة 
فترجل من على ظهر الهموم و عاتبني
إن أردت ذلك
أضربني بألف حذاء او بنعلٍ قديم 
كي أصحوا من سكرة التحمر 
من وجع الذكريات و من ألم الحنين
للماضي المنصرم بصوري
كلها
فلا تقبل بكل الحوار إن حكموا عليك
بالموت البطيء يا صاحبي 
فهل مازلت موجوداً لكي أنجو  بكَ
من مرك بقسوة الايام
فلا الوقت يتذكر من أنت و لا
الأشياء تراك فتحسُ بها
فماذا تنتظر هناك يا أنايا من وجعي
لتنتظر
فخذ كل ما تريد من ألمي و سافر
غريباً للعدم
كي أنساك حينما تموت هناك
كن بعيداً عن مكاني و عن زماني
حتى لا أتوجع لوحدي أكثر على غيابك
و أفتقدك عندما أحن إليك
إن قرأت على موتك فصلاً كاملاً من 
كتاب الله 
و لا تبكي هناك يا أنايا إن اشتقت 
إلي بالحنين
فهناك الكثيرون من قبلك قد رحلوا 
مثلك من جسدي 
و تركوا ورائهم كل أوجاعهم بهذا القلب
ليغفو بوجع السقوط
فأبي قد تركني بدمعتهُ القاسية و أورثني 
خيبة الحياة 
و أمي قد ماتت هناك و هي بعيدة 
عني 
دون أن أُقبلْ قدميها و أودعها بجوار 
قبرها الأخير 
و زوجتي الملعونة أم الشياطين التي
طعنت لألف مرةٍ بخنجر الأنوثة
تلاشت مع الذكرى 
و أصدقائي في الطفولة و العابرون 
بزمن الشباب و الفضوليون
فكل الذين أكلوا من خبزي قد تناسلوا
من زمني و رحلوا 
طعنوا تلك الروح بذكريات السنين 
في الرحيل 
و قد عبروا من بداية الحكاية للنهاية 
مسرعين بإنكساري
فكلهم نهبوا من العمر درب النجاة و إنقلبوا 
مع السنوات بسقوطي
و غابوا مع الوقت ليكونوا  بعيدين
عني

 

فكم من مأتمٍ بهذا الجسد سأخلدها 
لتؤنس وحشتي 
كلهم قد سبقوك يا انايا المجفف بالوحدة
الكئيبة القاتلة
فلا تقاسمني على الهلاك بالهلاك لتنكسر
معي محبطاً باليأس المر
و لا تكتب كلامك كله بقصيدتي فتقتل
الكلمات من حزنك الشديد 
حاول أن تخفف عن قلبك أوجاع الزمان
رويداً رويداً 

 

كن واقعياً بخاتمة لبعص الشيء و إلتزم 
بهدوء الراحلين 
كن أول البداية للخلاص و تجاهل
نهايتي التعيسة

 

و لا تسكن بمخيلتي طويلاً  فيصابُك
الحمى من الكآبة
حرر نفسك من عبودية جرحي لتنجو
بجلدك

 

و دعني و شأني لأمضي بخيبة العمر
لآخر الحكايات لآخر النهايات
فقد أحتاج إلى معجزة خرافية لأفسر 
للآلهة معنى الضياع في الضياع
منذ متى يا أنايا و أنت تراقبني دون 
أن أراك

 

لا مرآةٌ  لكَ كي أبصرُ بكَ ملامحي 
التي كهلت بالسنين 
و لا تبدو  لي كإله الأساطير حتى
أسجد بموتك القديم
فمن أنت يا سيد الإسطورة بترتيب 
شكل الفراغ

 

يا طائر الأحزان بمركبات الريح 
يا سيد العرش العظيم بالروح المقتولة
في النكسات من أنت
و لما أنا وحدي أعيش في منفاك الطويل
و لا أعيش كما الآخرين 
قل يا أيها المنعزل عن الكون الكبير 
في العصيان

 

كيف تحمل جنازتي على ضفاف ظلك
المكسور 
و تمشي بها وحيداً دون أن أبكي على 
موتي و أصلي علي صلاة
الوداع 

 

فماذا تفعل بحق الآلهة يا آخري 
ماذا تفعل بنعشي هناك
نصفي معك ينازع بأنفاسه الاخيرة 
من سوء الإنتماء 
و النصف الآخر تائهٌ بين جدران الغرباء
و لا يعود إلي لأحيا

 

فمن أي باب ستخرج من جسدي يا
شبحي المريض
لكي تمنح لي فرصةٌ أخرى لأعود إلى
المنام و أحلم بالصباح
قد أهمس ليمامةٍ بنافذتي عن شكل
حلمي الذي فارقني باكراً 
سوف أعيدُ بذاكرتي كل لحظات طفولتي 
البريئة ثانيةً

 

لأكون في المساء صدى الليل بحضرة 
القمر و ألهو بضوء النجوم
إن لم يسرقني المنام بتعبي من التأمل
بشكل الحكايات 
أريد أن أكون حراً في مخيلة الوحدة 
و أن لا أشكو من وجعك
الدائم

 

فلا تنتظر مني أن أرحمك يا أيها 
الخاسر العنيد
فلقد إكتفيت من ضياعك في جسدي 
لألف زمان 
و لم يعد هناك لنا تاريخ كي نسجل
بصفحاته 
أسمائنا التي تشبه بعضها حجراً 
حجراً 

 

فأنا المنفيُ في عدم الحياة من أزلي
و أنت المنفي في عدمي تراوض 
صور خيالاتي
فكلانا يملكنا العدم في دنيا السراب
فإلى أين تمضي معي غريباً يا أنايا 
المشلول
قف هنا و لا تفكر بما سيحدث في 
الغد 

 

راقب فقط طريقة موتي في الغياب
و مدى الأوجاع بجسدي
و لا تمت مثلي إن أتاك الموت مستعجلاً
كعادته في الرحيل 
إنتظر حتى أكمل دورة الجسدين في
الهلاك 
و أنهي عبث الحديث بكتابة 
القصيدة 

 

بعدها ودع كل من خذلوك في دنياك 
دون أن تبكي أمامهم كي لا تمت
مرتين
و قل للزمان البغيض لألف مرة 
ما الفائدة

 

فها أنا و أنايا نرحل من الحياة بحكم
القاعدة
غريبٌ بالغربة يبكي بذكرياته حجرٌ
و خاسرٌ مطعون يشكو من الألم 
منتحرٌ

 

قل كيف قتلتنا يا أيها الزمان 
بيدٍ باردة
فها نحن أنا و أنايا نموت بوجعنا
بحفرة واحدة 

 

فما الفائدة إن أشرقت الشمس في 
الصباح من بعدنا على الدنيا 
و إن أقبلت الملائكة ثانيةً تلملم روائح
الموت من على جدراننا التي
يحجبها الغبار 

 

فلا الشمس ستنور ظلام القبر هناك
و لا الملائكة ستعرف عنوان موتنا 
القديم 
فإني أعترف و سأعترف بكل قصيدة 
أكتبها 
بأني أدفن جنازتي بين الكلمات التي 
أرتبها

 

دون أن أخبر  أحد  أو أعلن عن موتي 
الأبدي بأبجدية الكلام 
فالكلام يبقى كلاماً و الموت ينتهي
بعده كل الكلام  
فالكلام بعد الرحيل هي ثرثرة و شتيمة 
الأحياء للأموات المنكسرين 
فلا الموتى ينتظرون الكلام من من بقوا
واقفين

 

و لا الراحلون سيرددون ما يحفظون من 
أناشيد الكلام 
إنها قلادة الخسارة الكبرى فينا تنضج 
بالعمر الحزين الهادم
فعد  إلى زمنك القديم يا أنايا المدفون
بمقبرة النسيان 
و اترك عند أبواب الذكريات نكسة
دموعنا و عبث الضجر
كي تبقى على جبين الحياة تاريخ 
موتنا

 

هي بصمة عار لكل الآلهة بلعنة الراحلين 
المنهزيمين القدماء 
و لا  تقرأ بنعوة المفقودين عن سبب
الوفاة 
فإنها كثيرةٌ و كثيرة و كثيرة
من بينها 
وجع ُ ............ الحياة 

 

 

مصطفى محمد كبار 
ابن حنيفة 
ابن عفرين 
ابن بعدينو 
حلب سوريا


 

آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها  Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108

 

תגובות

מומלצים