الأهرام المسائي 

13.10.2024 מאת: حسن حجازي
الأهرام المسائي 

 

حسن حجازي ولعبة التحولات

الأهرام المسائي 

 

إبراهيم محمد حمزة كاتب وناقد أدبي

 

في دواوينه السابقة‏ (‏ همسات دافئة‏,‏ حواء وأنا‏,‏ في انتظار الفجر‏)‏ يغلب علي تجربة حسن حجازي اللون العاطفي‏,‏ ربما مال ديوانه في انتظار الفجر إلي موازنة بين الهم العام والهم الخاص من خلال استيعاب أوجاع العصر بجانب أوجاع القلب‏,‏ لكن الشاعر في ديوانه الجديد التي في خاطري سندباد للنشر بالقاهرة‏2009,‏ يبدو صريحا في انحيازه للهم العام‏,‏ خاصة أوجاع الوطن‏,‏ وهو ما يزيد من صعوبة الأمر بلا شك فإن كان يلمح ببراءة طريفة في قصائده السابقة كقوله

 

‏(‏ فلم يجدوا سوي شاعر‏/‏ في أول الصف‏/‏ ينتظر دوره‏/‏ أمام أحد المخابز المغلقة‏),‏ وإن كان في ديوانه‏(‏ حواء وأنا‏)‏ يبدأ صفحاته بقصائد باكية مثل قوله‏(‏ إيه يا بغداد يا قلب العراق‏/‏ يا نبض العروبة‏,‏ ويا رمزا للأجداد‏...),‏ وإن كان قد نثر العطر النزاري الحميم في أرجاء ديوانه همسات دافئة فإنه هنا مخلص لقضية العروبة‏,‏ وينتج شعره من هذا الفهم لجدوي الشعر‏,‏ فالشعر لدي حسن حجازي رسالة‏,‏ ومن شروط الرسالة أن تكون شديدة الوضوح‏,‏ وهي رؤية لها وجاهتها‏,‏ وإن كانت لها مثالبها عند نقادنا القدامي‏,‏ وقد أشار الجرجاني في أسرار البلاغة إلي أن القاريء يأنس ويفرح إذا استطاع بعد جهد أن يحصل علي معني يستحق الجهد الذي بذله‏,‏ لكنه يذم التعقيد إذا كان اللفظ لم يرتب الترتيب الذي بمثله تحدث الدلالة علي الغرض‏,‏ وقد ذم هذا الجنس لأنه أحوجك إلي فكر زائد عن المقدار الذي ينبغي في مثله‏.‏ ولذا فشاعرنا يقدر طبيعة العصر‏,‏ خاصة أنه اعتاد الشعر العاطفي‏,‏ الذي يسيل رقة وعذوبة‏,‏ ولهذا كان الانتقال إلي الشعر السياسي خاضعا لتقاليد تتناسب والعاطفة أكثر‏,‏ الوضوح‏,‏ البساطة‏,‏ المباشرة‏,‏ الزخم الموسيقي البالغ‏...‏

 

نداء‏:‏ لمنظمة الأمم‏/‏ للجامعة العربية‏/‏ للجان الثورية‏/‏ للمجالس المحلية‏/‏ المركزية ننادي‏/‏ هل من مجيب؟

 

يلجأ شاعرنا للطرح المباشر التلقائي‏,‏ غير أنه يطعم ذلك الطرح المباشر‏,‏ بالرمز حينا وبالتضمين أحيانا وبالتناص في أحيان أخري‏,‏ وهذا الرمز يلجأ له شاعرنا بحذر شديد‏,‏ بل ويرفق مذكرة تفسيرية بإشاراته في نهاية القصيدة‏,‏ إنه المنحي الاجتماعي الطاغي لدي الشاعر‏,‏ والذي يدفعه لاستحضار صورة القاريء دائما‏,‏ كذلك هو طابع المعلم‏(‏ المدرس‏)‏ الذي يخشي دائما الانغلاق‏,‏ يخشي صعوبة التلقي‏,‏ يخشي أن يكون ممن قال عنهم نزار‏:‏


شعراء هذا اليوم جنس ثالث
فالقول فوضي والكلام ضباب

 

ولأن الشعر ليس نية طيبة فحسب‏,‏ فقد خرجت للحياة الأدبية ــ والكلام لصلاح عبد الصبور ــ نماذج أدبية رديئة كان جديرا بأصحابها أن يكتموها بين أضلاعهم أو في أدراج مكاتبهم‏,‏ ولكن خرجت تلك النماذج إلي الحياة العلنية لكي تملأ الجو الأدبي ضجة بلا صدي‏,‏ وأنا ــ والكلام مازال لعبد الصبور ــ أعذر القاريء حين يري تلك البضاعة الرديئة فينصرف عنها أقول لكم عن الشعر‏.‏

 

وهل منع الوضوح تحميل القصيدة العربية بأقصي اندفاعات السياسة وأتم درجات الوعي؟

 

إن الشاعر هنا يسعي للارتقاء بنصه عبر آلية محببة لدي المتلقي‏,‏ أعني السخرية‏,‏ والسخرية مع قلب الحقائق هنا تأتي دافعة للتفكير‏,‏ مرهصة بغضب آت قريبا‏,‏ يقول‏:‏

 

لحكومة الكيان‏/‏ الصديقة الرقيقة‏/‏ الشريفة العفيفة‏/‏ صاحبة العصمة والصولجان المنزهة عن الخطأ‏/‏ والنسيان‏/‏ صديقة الفيتو‏/‏ المنزهة عن العدوان المدللة في قلب أمريكا‏/‏ المنعمة الواهبة‏/‏ المانحة السابحة‏.‏بيان‏:‏

 

يا صاحبة العصمة والسلطان‏/‏ أيتها المترفعة عن الصغائر‏/‏ الماهرة‏/‏ في العزف علي الضمائر الساهرة‏/‏ الداعية للسلام‏/‏ سلام

 

الشاعر هنا يبدأ في الثورة علي ذاته‏,‏ وعلي لغته‏,‏ وعلي اهتماماته السابقة‏,‏ وموضوعاته الأثيرة‏,‏ ويستجلب لغة أكثر حضورا‏(‏ أنادي عبر المحمول‏/‏ عبر المأمول‏/‏ من الأمس‏/‏ لليوم‏/‏ للغد‏)‏ ويصل به الغضب إلي حد التناص المقلوب‏(‏ إن كان بك غضب علي فلا أبالي‏)‏ هو بهذا التناص المخيف يعلن أقصي حالات يأسه‏,‏ هذا اليأس الممتد من الدويقة بقلب القاهرة إلي كل بقاع وطننا العربي‏,‏ وتسهم الاسطورة في رسم ملامح هذا الغضب اليائس‏(‏ يا عدالة السماء‏:‏ ألم يكفر سيزيف ــ بعد ــ عن كل خطاياه؟‏).‏

 

إن أحد النقاد الغربيين ــ جورج نونمشار ــ يري في كتابه دلالات الأثر أن القدرة الشعرية تكمن في جعل ذلك الجانب المظلم من الكينونة يفصح عن نفسه‏.‏ وإن كنا لا نبرئ النقد حتي يقول عنه عبد المعطي حجازي أن النقد يقف موقفا يبدو كأنه موجود‏,‏ وغير موجود في آن واحد لكن تجربة حسن حجازي في هذا الديوان ــ التي في خاطري ــ والذي يؤكد فيه عبقرية استخدامه للتناص بداية من العنوان اللافت‏,‏ والمحيل إلي نص شهير مغني مصر التي في خاطري ثم يواصل تناصه عبر القرآن الكريم في جهات عديدة متكررة‏,‏ كاشفا عن توجه دال علي تدين عميق‏,‏ وثقافة طيبة‏,‏ لكنه يظل قادرا علي التغني بالآني الحالي ــ مهما كانت مباشرته‏,‏ ومهما كانت تداخلاته مع سابق مواقفه‏,‏ خاصة في معالجته المتكررة لقضية غزة وفتح الحدود وتأثير ذلك علي مصر‏,‏ ثم لعبة التنكر لمصر ومواقفها‏...‏ إلخ‏.‏

 

الخطورة هنا أن يكون الشعر ردا مباشرا ــ عاطفيا ــ للضغط الإخباري الذي نتلقاه عبر إعلامنا‏,‏ ثم أنه مرتبط بلحظة معرضة للنسيان‏,‏ ولهذا لم يعد الشعر ينتظر الخلود‏,‏ إنما قنع الشعراء بمجرد التعبير الصادق عن الذات‏..‏
مصر بعد اليوم‏/‏ لا انهزام‏/‏ مصر دوما‏/‏ للأمام مصر دوما‏/‏ للأمان

 

وكانت عيونه كالصقر‏/‏ عين علي القدس‏/‏ وعين لرب السماء شاكرة وأخري نحو القاهرة‏/‏ ترنو الأيام قادمة‏/‏ تبني بلدا للمحبة‏/‏ للسلام

 

أعود للقول إن تجربة شاعرنا في هذا الديوان‏,‏ تحمل تطورا في الرؤي‏,‏ وانخلاعا من الذات إلي خارجها‏,‏ وتماسا مع قضايا حاكمة خانقة للمواطن العربي‏,‏ ولذا فالديوان المقبل‏,‏ سيكون أكثر غضبا‏/‏ وأشد قربا من الرجل العادي الموجوع بالأسعار والقهر والجهل والفقر‏,‏ وفي كل الأحوال‏,‏ أنت أمام شاعر رسالي‏,‏ يسعي بكلمته للناس عبر لغة واصلة وصورة قريبة من الناس‏...‏فهل هناك أبهي من ذلك؟‏!‏

 

آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية  المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها  Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108

 

תגובות

מומלצים