الأهرام المسائي
حسن حجازي ولعبة التحولات
الأهرام المسائي
إبراهيم محمد حمزة كاتب وناقد أدبي
في دواوينه السابقة ( همسات دافئة, حواء وأنا, في انتظار الفجر) يغلب علي تجربة حسن حجازي اللون العاطفي, ربما مال ديوانه في انتظار الفجر إلي موازنة بين الهم العام والهم الخاص من خلال استيعاب أوجاع العصر بجانب أوجاع القلب, لكن الشاعر في ديوانه الجديد التي في خاطري سندباد للنشر بالقاهرة2009, يبدو صريحا في انحيازه للهم العام, خاصة أوجاع الوطن, وهو ما يزيد من صعوبة الأمر بلا شك فإن كان يلمح ببراءة طريفة في قصائده السابقة كقوله
( فلم يجدوا سوي شاعر/ في أول الصف/ ينتظر دوره/ أمام أحد المخابز المغلقة), وإن كان في ديوانه( حواء وأنا) يبدأ صفحاته بقصائد باكية مثل قوله( إيه يا بغداد يا قلب العراق/ يا نبض العروبة, ويا رمزا للأجداد...), وإن كان قد نثر العطر النزاري الحميم في أرجاء ديوانه همسات دافئة فإنه هنا مخلص لقضية العروبة, وينتج شعره من هذا الفهم لجدوي الشعر, فالشعر لدي حسن حجازي رسالة, ومن شروط الرسالة أن تكون شديدة الوضوح, وهي رؤية لها وجاهتها, وإن كانت لها مثالبها عند نقادنا القدامي, وقد أشار الجرجاني في أسرار البلاغة إلي أن القاريء يأنس ويفرح إذا استطاع بعد جهد أن يحصل علي معني يستحق الجهد الذي بذله, لكنه يذم التعقيد إذا كان اللفظ لم يرتب الترتيب الذي بمثله تحدث الدلالة علي الغرض, وقد ذم هذا الجنس لأنه أحوجك إلي فكر زائد عن المقدار الذي ينبغي في مثله. ولذا فشاعرنا يقدر طبيعة العصر, خاصة أنه اعتاد الشعر العاطفي, الذي يسيل رقة وعذوبة, ولهذا كان الانتقال إلي الشعر السياسي خاضعا لتقاليد تتناسب والعاطفة أكثر, الوضوح, البساطة, المباشرة, الزخم الموسيقي البالغ...
نداء: لمنظمة الأمم/ للجامعة العربية/ للجان الثورية/ للمجالس المحلية/ المركزية ننادي/ هل من مجيب؟
يلجأ شاعرنا للطرح المباشر التلقائي, غير أنه يطعم ذلك الطرح المباشر, بالرمز حينا وبالتضمين أحيانا وبالتناص في أحيان أخري, وهذا الرمز يلجأ له شاعرنا بحذر شديد, بل ويرفق مذكرة تفسيرية بإشاراته في نهاية القصيدة, إنه المنحي الاجتماعي الطاغي لدي الشاعر, والذي يدفعه لاستحضار صورة القاريء دائما, كذلك هو طابع المعلم( المدرس) الذي يخشي دائما الانغلاق, يخشي صعوبة التلقي, يخشي أن يكون ممن قال عنهم نزار:
شعراء هذا اليوم جنس ثالث
فالقول فوضي والكلام ضباب
ولأن الشعر ليس نية طيبة فحسب, فقد خرجت للحياة الأدبية ــ والكلام لصلاح عبد الصبور ــ نماذج أدبية رديئة كان جديرا بأصحابها أن يكتموها بين أضلاعهم أو في أدراج مكاتبهم, ولكن خرجت تلك النماذج إلي الحياة العلنية لكي تملأ الجو الأدبي ضجة بلا صدي, وأنا ــ والكلام مازال لعبد الصبور ــ أعذر القاريء حين يري تلك البضاعة الرديئة فينصرف عنها أقول لكم عن الشعر.
وهل منع الوضوح تحميل القصيدة العربية بأقصي اندفاعات السياسة وأتم درجات الوعي؟
إن الشاعر هنا يسعي للارتقاء بنصه عبر آلية محببة لدي المتلقي, أعني السخرية, والسخرية مع قلب الحقائق هنا تأتي دافعة للتفكير, مرهصة بغضب آت قريبا, يقول:
لحكومة الكيان/ الصديقة الرقيقة/ الشريفة العفيفة/ صاحبة العصمة والصولجان المنزهة عن الخطأ/ والنسيان/ صديقة الفيتو/ المنزهة عن العدوان المدللة في قلب أمريكا/ المنعمة الواهبة/ المانحة السابحة.بيان:
يا صاحبة العصمة والسلطان/ أيتها المترفعة عن الصغائر/ الماهرة/ في العزف علي الضمائر الساهرة/ الداعية للسلام/ سلام
الشاعر هنا يبدأ في الثورة علي ذاته, وعلي لغته, وعلي اهتماماته السابقة, وموضوعاته الأثيرة, ويستجلب لغة أكثر حضورا( أنادي عبر المحمول/ عبر المأمول/ من الأمس/ لليوم/ للغد) ويصل به الغضب إلي حد التناص المقلوب( إن كان بك غضب علي فلا أبالي) هو بهذا التناص المخيف يعلن أقصي حالات يأسه, هذا اليأس الممتد من الدويقة بقلب القاهرة إلي كل بقاع وطننا العربي, وتسهم الاسطورة في رسم ملامح هذا الغضب اليائس( يا عدالة السماء: ألم يكفر سيزيف ــ بعد ــ عن كل خطاياه؟).
إن أحد النقاد الغربيين ــ جورج نونمشار ــ يري في كتابه دلالات الأثر أن القدرة الشعرية تكمن في جعل ذلك الجانب المظلم من الكينونة يفصح عن نفسه. وإن كنا لا نبرئ النقد حتي يقول عنه عبد المعطي حجازي أن النقد يقف موقفا يبدو كأنه موجود, وغير موجود في آن واحد لكن تجربة حسن حجازي في هذا الديوان ــ التي في خاطري ــ والذي يؤكد فيه عبقرية استخدامه للتناص بداية من العنوان اللافت, والمحيل إلي نص شهير مغني مصر التي في خاطري ثم يواصل تناصه عبر القرآن الكريم في جهات عديدة متكررة, كاشفا عن توجه دال علي تدين عميق, وثقافة طيبة, لكنه يظل قادرا علي التغني بالآني الحالي ــ مهما كانت مباشرته, ومهما كانت تداخلاته مع سابق مواقفه, خاصة في معالجته المتكررة لقضية غزة وفتح الحدود وتأثير ذلك علي مصر, ثم لعبة التنكر لمصر ومواقفها... إلخ.
الخطورة هنا أن يكون الشعر ردا مباشرا ــ عاطفيا ــ للضغط الإخباري الذي نتلقاه عبر إعلامنا, ثم أنه مرتبط بلحظة معرضة للنسيان, ولهذا لم يعد الشعر ينتظر الخلود, إنما قنع الشعراء بمجرد التعبير الصادق عن الذات..
مصر بعد اليوم/ لا انهزام/ مصر دوما/ للأمام مصر دوما/ للأمان
وكانت عيونه كالصقر/ عين علي القدس/ وعين لرب السماء شاكرة وأخري نحو القاهرة/ ترنو الأيام قادمة/ تبني بلدا للمحبة/ للسلام
أعود للقول إن تجربة شاعرنا في هذا الديوان, تحمل تطورا في الرؤي, وانخلاعا من الذات إلي خارجها, وتماسا مع قضايا حاكمة خانقة للمواطن العربي, ولذا فالديوان المقبل, سيكون أكثر غضبا/ وأشد قربا من الرجل العادي الموجوع بالأسعار والقهر والجهل والفقر, وفي كل الأحوال, أنت أمام شاعر رسالي, يسعي بكلمته للناس عبر لغة واصلة وصورة قريبة من الناس...فهل هناك أبهي من ذلك؟!
آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108