إطلالة المثقفون و تدبير الشأن الجماعي المحلي

إطلالة المثقفون و تدبير الشأن الجماعي المحلي
إن تحقيق التنمية والنهضة المستدامة بالجماعات الترابية بشتى القطاعات والمجالات ، وبمختلف المرافق العمومية المحلية، التي لها علاقة عن قرب بالسكان، هي مرتبطة ارتباطا أساسيا بطريقة التسيير والتدبير للجماعات الترابية والمرافق العمومية المحلية من طرف المنتخبين الجماعيين، وهي مرتبطة كذلك بنفس الأهمية أو أكثر بالمحيط الثقافي و الفكري و الجمعوي و الأكاديمي و الجامعي ، بتراب هذه الجماعات ، سواء تعلق الأمر بالمجال الحضري أو بالمجال القروي .
وكما هو معلوم فإن القوانين والأنظمة الجاري بها العمل في مجال تدبير الجماعات الترابية والشأن الجماعي المحلي ، وعلى رأسها دستور 2011 والقوانين التنظيمية الجاري بها العمل ، و من أهمها القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات ، والقانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، والقانون رقم 113.14 المتعلق بالجماعات ، كلها تفتح المجال لكل المواطنات والمواطنين ، للإنخراط في الإنتخابات الجماعية المحلية و الانتخابات البرلمانية ، و تشجعهم على المشاركة فيها سواء كناخبين أو كمنتخبين.
ما يمكن ملاحظته بشكل عام هو عزوف ( الطبقة المثقفة ) ، على المشاركة المكثفة والفعلية في تدبير و تسيير الشأن السياسي المحلي بالجماعات الترابية أو المقاطعات و على الانضمام لمجالسها ومكاتبها المسيرة.
وهنا يتبادر للذهن طرح السؤال عن سبب غياب المثقفين عن المشاركة في تدبير الشأن السياسي الجماعي المحلي بشكل مكثف و ملحوظ، بالرغم من كون القوانين والأنظمة المعمول بها حاليا تفتح المجال، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، لهذه الفئة الحيوية من المواطنين للإنخراط في تدبير الشأن الجماعي المحلي و في مقدمتها الدستور الذي يعطي كل الضمانات في هذا الشأن ، و يمكن القول أن البيت الثقافي المحلي في أغلبه ، على مستوى الجماعات الترابية والمقاطعات ،
يعاني من نوع من الفتور في الأنشطة الثقافية المحلية سواء على مستوى المنتديات الثقافية المنتظمة أو المناظرات أو اللقاءات الأكاديمية أو مختلف الأنشطة الأخرى، كما يلاحظ أيضا أن هناك قلة في عدد الجمعيات النشيطة التي تهتم بالشأن الثقافي و عدم وجود بيت يجمعهم كما هو الشأن مثلا بالنسبة لبيت المحامي ، الذي يتيح المجال للحوار والنقاش وتبادل الآراء حول مختلف القضايا المحلية وفي مقدمتها المشاركة في التنمية المستدامة بالجماعات الترابية التي يقطنون بها .
و الملاحظ أن مجموعة من المثقفين يفضلون العزوف عن المشاركة في تدبير الشأن السياسي المحلي لكونهم يرون هذا المجال غريبا عليهم او بعيدا عن انشغالاتهم ، ولذلك فهم يتخذون موقفا مبدئيا بعدم الانخراط في مجال الإنتخابات الجماعية وبالتالي الإبتعاد عن تسيير وتدبير الشأن المحلي الجماعي .
وفي نفس السياق، لا بد من التأكيد على دور الجامعة في المساهمة في تنمية محيطها بالجماعات الترابية التي تتواجد بها ، فالجامعة والجماعات الترابية يجب أن تنفتح على بعضها البعض سواء في البحث العلمي أو تكوين المنتخبين والموظفين الجماعيين و في إبداء الرأي في برامج التنمية وبرامج العمل بهذه الجماعات ، ويمكن للجامعة المساهمة في تعميم الرقمنة وتجويدها بهذه الجماعات و تكوين الأطر في هذا الميدان الحيوي كما يمكن للجامعة تأطير منتديات ومناظرات فكرية بمشاركة المنتخبين الجماعيين لتبادل الآراء والنقاش حول واقع هذه الجماعات و الرؤية المستقبلية التي تروم التنمية والنهضة المستدامة .
هذا ، و إنه بإمكان الجامعة بطاقاتها الفكرية و أطرها المؤهلة وكفاءاتها المتعددة ، أن تقوم بدور فعال في عملية التشجيع على المشاركة في العمل السياسي المحلي على مستوى الجماعات الترابية و أن تضع بهذا الخصوص برامج ومناهج على المدى القصير والمتوسط بمشاركة كل الفاعلين والمتدخلين المعنيين لتشجيع المثقفين على دخول مجال تدبير الشأن المحلي لكونهم يمتلكون كل المقومات التي تؤهلهم لذلك.
إنه لم يعد محببا أن يبقى المثقف و المفكر في مختلف المجالات يلعب فقط الدور الكلاسيكي ، الذي كان يقوم به سابقا ، وهو كونه مرآة تعكس واقع المجتمع ، ولكن أصبح من المفيد حاليا، في وضع يشهد فيه الفكر الثقافي والسياسي تطورا كبيرا، وفي ظل التطورات المستمرة في الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية للمواطنين، أن ينخرط المثقفون والمفكرون أيضا في تدبير الشأن السياسي المحلي وفي المشاركة في المجال السياسي المحلي بالجماعات الترابية ومجالسها ومكاتبها المسيرة ، و تبعا لذلك أصبح من المفترض أيضا أن يقوم المثقفون والمفكرون بدراسة القوانين والأنظمة التي تهم تدبير الشأن المحلي والجماعات الترابية حتى يتسنى لهم المساهمة في تدبير الشأن المحلي في إطار تشاركي وعملي.
وعلى العموم ، فالأمر يبقى بيد هذه الفئة الحيوية والعزيزة على كل المواطنين للمبادرة في ترتيب بيتها وتنظيمه ولم شمله وتأطيره ، و الانطلاق نحو الإهتمام بالشأن الجماعي المحلي و الانخراط فيه بجدية سواء كناخبين أو كمنتخبين والوصول للمشاركة في الشأن السياسي على مستوى مجالس الجماعات والمقاطعات ، لكون ذلك سيعطي للعمل داخل مجالس هذه الجماعات والمقاطعات إضافة نوعية بتجويده وتحسينه سواء على مستوى الأفكار والمقترحات وتقديم المشاريع أو على مستوى خلق مناخ سياسي يشجع المواطنين على تتبعه والانخراط فيه والمساهمة في التنمية المحلية المستدامة.
آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108