هل إذا صمتت المدافع يعلو صوت الفقراء؟
ليس عبثًا أن تشغل الحروب، على اختلاف أسمائها ومسمياتها وأسبابها، بأن الفلاسفة والمفكرين الذين اعتبروها شرًّا لا بد منه، وأبدعوا في وصفها وربما اختلفوا في ذلك، لكنهم اتفقوا كلهم دون استثناء على أن لا نصر في الحروب، حتى لو تحقق النصر العسكريّ
في إشارة واضحة كالشمس في كبد النهار إلى نتائجها السلبية والخطيرة بعيدة المدى، فهي لا تخلف الأضرار البشريّة والماديّة والمعنويّة والنفسيّة وحسب، بل تهدد في كثير من الأحيان الأمن القوميّ للدولة، خاصة وأن الشعب، وهو الركيزة الأساسية للدولة، هو المتضرر الأول، خاصة إذا طال أمدها وبالتالي ساء تأثيرها على مناحي الحياة، الاقتصاديّة والصناعيّة والتكنولوجيّة وباختصار مستوى حياة الفرد وإمكانيّات تقدمه ونجاحه،
لا أن يتحمل النتائج الاقتصاديّة للحرب وحده، دون دعم حكوميّ ورسميّ أو دون أي انتباه، ومن هنا جاءت أقوال الفلاسفة عن الحرب والتي تراوحت بين قول الفرنسيّ هنري برجسون أن "الحرب هي تسلية الزعماء الوحيدة التي يسمحون لأفراد الشعب بالمشاركة فيها"،
وقول جون بول سارتر أنه "يشنها الأغنياء ليموت فيها الفقراء" وأجزم هنا أنه قصد مجموعة الأغنياء بشقيها السلطويّ أي أصحاب السلطة والماديّ، أي أصحاب رؤوس الأموال الذين يكونون دائمًا وفي نهاية كل حرب الطرف الرابح اقتصاديًّا، وسنعود إلى هذا الموضوع لاحقًا، وموت الفقراء هو موت جسديّ خلال الحرب ومجازيّ بعدها جراء دفن الفقراء عميقًا أكثر في غياهب الفقر والعوز،
وهي الحرب التي أجاد الفيلسوف الصينيّ المعروف منسيوس، أحد أشهر فلاسفة الصينيّين القدماء، وصفها بنتائجها العسكريّة الفوريّة وتلك التي بعدها اقتصاديًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا بقوله: "الحرب هي أن تلتهم الأرض لحوم البشر".،
وكلها أقوال تشكل ناقوس خطر يُقرَع أمام الساسة في كل المناطق والدول التي شاركت من قريب أو بعيد في الحرب الدائرة في غزة على جبهاتها المختلفة والمتنوعة، من إيران إلى لبنان وسوريا وغزة وكذلك إسرائيل، وكلها أضرار تؤكد أهمّيّة بل ضرورة أن تتعلم القيادات عبر التاريخ القديم، وعبر الحرب الحاليّة،
والتي يبدو أنها في نظر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن تنتهي إلا اذا تحققت مقولة الجنرال كارل فون كلاوفيتز حول الحرب بين طرفين غير متكافئين ماديًّا وعسكريًّا وتقنيًّا، إذ قال إن نهايتها تكون فقط بالإبادة التامة للطرف الأضعف، وبناء عليه فيجب وضع سلم أولويّات جديد يعني التفكير في نتائج الحرب بعيدة المدى ، وأن يكون مصطلح "اليوم التالي" أكثر شموليّة وصدقًا وأن يكون الزعماء أكثر تبصرًا وفهمًا لنتائج الحرب.
أقول هذا وأستذكر هنا ما بات واضحًا على مختلف الساحات سابقة الذكر، من نتائج اقتصاديّة وإنسانيّة ونفسيّة واجتماعيّة كارثيّة تتفاوت طبعًا، تؤكد إسرائيليًّا أن إسرائيل أمام حالة اقتصاديّة خطيرة وسيئة تعني انخفاضًا في مستوى الحياة وزيادة كبيرة في تكاليف المعيشة وارتفاعات متتالية للأسعار وزيادة في نسبة البطالة وخاصة الفقر وهذا سنعود إليه بالتفصيل لاحقًا، وانخفاض في قدرة الفرد على الاستثمار في التعليم يضاف إلى انخفاض الاستثمار الحكوميّ الرسميّ في ذلك لتغطية نفقات الحرب،
وهو ما تؤكده المعطيات الاقتصاديّة، التي تكشف الخسائر الاقتصاديّة الجسيمة التي تكبدتها الدولة بسبب الحرب في غزة، وسوء إدارة الحكومة للسياسات الماليّة، وسلم أولويّات غير سويّ من حيث تخصيص الميزانيات يفضِّل دعم العناصر والفئات غير المُنتجة وتعزيز الاستيطان بدلًا من محاولة ترميم الاقتصاد وإعادة ترميم المناطق المتضررة اقتصاديًّا واجتماعيًّا في الشمال والجنوب،
ومن هنا فالحديث عن تحقيق "نصر كامل" من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يتجاهل الواقع ويخاطب العواطف القوميّة الجياشة التي تريد رؤية "حماس" وقد أعلنت الاستسلام متناسية ان استمرار الحرب يعني مزيدًا من الفقر لها، خاصة وان الواقع الاقتصاديّ يظهر صورة مختلفة تمامًا، حيث تعاني إسرائيل من ركود اقتصاديّ قد يستمر لفترة طويلة، بعد أن انكمش الاقتصاد الإسرائيليّ بنسبة 1.5%، وتراجعت الصادرات والاستثمارات خاصة في مجالات التقنيات المتقدمة وارتفع العجز الماليّ، والأسعار لمختلف السلع، ناهيك عن أنه بات من الواضح أن الحكومة،
ووفق الخطوط العريضة لميزانيتها للعام القادم 2025، لن ترصد الأموال الكافية لدعم الطبقات التي تضررت جراء الحرب وتراجع مستواها الاقتصاديّ، بل إنها سترصد الأموال لتغطية نفقات الحرب، عبر تقليص محتمل ومتكرر في ميزانيّات الوزارات ورفع للضرائب وإلغاء لتسهيلات ضريبيّة كانت متوقعة، وتجميد للرواتب.
ومن باب القول إن العنوان على الحائط" وبالبنط العريض" وإن الرسالة تُقرأُ من عنوانها واحيانًا قبل فتحها، جاءت المؤشرات على ذلك ضمن تقرير مؤسسة التامين الوطنيّ للعام 2023 والذي يجب أن ينير الضوء الأحمر، خاصة وأن نتائجه تتطرق إلى الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، بعكس التقرير المتوقع للعام 2024، ورغم ذلك أشارت إلى أن إسرائيل تحتل المرتبة الثانية بين دول منظمة التعاون الاقتصاديّ والتنميةOECD من حيث نسبة الفقر،
حيث يعيش حوالي 2 مليون شخص تحت خط الفقر، من بينهم أكثر من 870 ألف طفل،20.7 أي أن نسبة الفقر في إسرائيل بلغت وفق هذا التقرير، بلغت 20.7% عام 2023، وأن نحو 13% من المسنين يعيشون حالة فقر، وهو تقرير لا يعكس عادة الحالة والواقع الصحيح في مجموعتين سكانيّتين هما العرب واليهود الحريديم المتزمتين لأسباب اجتماعيّة ونمط حياة مختلف أقل إنفاقًا ودخلًا وتكافل اجتماعيّ أعلى واكبر،
ورغم ذلك فنسبة الفقراء في إسرائيل تكاد تكون ضعف النسبة الموجودة في دول منظمة OECD والتي تبلغ 11.6%، ناهيك عن ضعف الإنفاق الحكوميّ على الرفاه الاجتماعيّ الذي بلغ عام 2023، نسبة قدرها 16.6 % وهي أقل بكثير من إنفاق دول منظمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية البالغ 22.4%.، علمًا أن الإنفاق في بعض الدول هناك ومنها فرنسا يبلغ 32% أي ضعف إسرائيل،
ومن هنا فإن معطيات هذا التقرير تشير إلى أن معدلات الفقر وعدم المساواة في إسرائيل مرتفعة ومقلقة حتى قبل اندلاع الحرب ، وذلك رغم أنها شهدت تحسنًا ملحوظًا وانخفاضًا في حدة الفقر وعمقه، بعد ارتفاعات سُجلت في العامين السابقين للحرب أي في العام الذي كانت فيه حكومة نفتالي بينيت ويائير لبيد في سدة الحكم، إلا أن الحرب التي اندلعت في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2023، أدت الى تراجع النشاط الاقتصاديّ الإسرائيليّ وانخفاض النمو الاقتصاديّ، وبالتالي فنتائج التقرير السنوي القادم ستكون وفق كافة المؤشرات قاتمة ومظلمة وخانقة، ما يؤكد منذ اليوم الحاجة إلى سياسة شاملة تشمل الاستثمار في البنية التحتيّة الاجتماعيّة،
وتحسين قطاعي التعليم والعمل بأجور ملائمة، إلى جانب تعزيز النمو الاقتصاديّ للأفراد ذوي الدخل المنخفض، وهم الفئة الأكثر تضررًا جراء الحرب بسبب نوعيّة عملهم وقلة مستواهم الثقافيّ وبالتالي قلة إمكانيات عملهم ورفع رواتبهم، والدليل هو المعطيات التي أظهرت أن الفقر أكثر انتشارًا في المجتمع العربيّ وبين الحريديم حيث بلغت نسبة الفقراء بين هاتين المجموعتين 64.9% من إجمالي الفقراء في إسرائيل مع الإشارة إلى أن نسبة الفقر لدى المواطنين العرب تبلغ نحو ضعف نسبتهم من مجمل المواطنين في إسرائيل.
وإذا كانت إسرائيل تحتل في معدلات الفقر بين الأطفال المرتبة الثانية، فإن معدلات الفقر فيها بين المسنين تفوق المعدل العام للدول المتقدمة، وإن كان هذا المعطى قبل الحرب، فإن المستقبل لا يبشر خيرًا إلا اذا تغير سلم الأولويّات الحكوميّ وازداد التمويل أو الإنفاق الحكوميّ في مجالات الرفاه، وفوق ذلك الاستثمار في التعليم خاصة في المراحل الابتدائيّة، والمعلومات خير دليل على تلك الحاجة، فإسرائيل تنفق على تلاميذ المرحلة فوق الابتدائيّة 17% أقل مما تنفقه الدول الأعضاء في منظمة OECD و 4.7% أقل مما تنفقه تلك الدول على تلاميذ المرحلة الابتدائيّة،
وهي في المجمل تستثمر 6.2% من ناتجها الخام في التربية في حين تبلغ النسبة الموازية في دول OECD ما معدله 4.9%. لكن عند مراجعة معدل الإنفاق على كل تلميذ في جميع مراحل التعليم نجد أن الاستثمار في إسرائيل أقل بكثير، فالإنفاق على تلميذ في المرحلة الابتدائيّة يبلغ 9,452 دولار مقابل 9,923 دولار في دول OECDو على تلميذ في المرحلة الثانويّة في إسرائيل يبلغ 9,410 دولار مقابل 11,400 دولار في دول OECD، أما الإنفاق على الطالب الجامعيّ يبلغ 9,972 دولار في إسرائيل مقابل 11,900 دولار في دول OECD..
ولمزيد من إنارة الضوء الأحمر لما بعد الحرب، جاء تقرير مسح المهارات الذي أجرته منظمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية، ليكشف حقيقة مرة مفادها أن المجتمع الإسرائيليّ فيه ثلاثة قطاعات وتكشف معطياته الأسباب الرئيسية للتفاوت في مستويات إنتاجيّة العمل وبالتالي في الدخل الحقيقي للفرد بين البلدان والقطاعات والمجتمعات، وتؤكد أهمّيّة تغيير سلم الأولويّات خاصة بعد الحرب ، فالمعطيات تثبت نجاعة الاستثمار في التعليم الابتدائيّ خاصة وفوقه، وتؤكد أنه كلما ارتفعت درجات المهارة، ارتفع مستوى المعيشة والعكس صحيح،
وماذا عن مهارة حل المشكلات الحياتية المعقدة والصعبة، والمعروفة في المعجم المسحي بـ "حل المشكلات في بيئات وسياقات معلوماتيّة متنوعة؟" هل البراعة الإسرائيليّة الشهيرة تساعد الإسرائيليّين هنا على الأقل؟ ليس حقًّا، كما اتضح. حصلت إسرائيل على 236 نقطة فقط، أي أقل بكثير من متوسط منظمة الدول المتقدمة – 251 نقطة. ومرة أخرى، تم تصنيف إسرائيل بعيدًا عن الدول الرائدة، في المركز 25، تفسير مراكز إسرائيل الضعيفة في جميع التصنيفات الثلاثة، كما لخصها باحثو مكتب الإحصاء المركزيّ، وقوامها نسبة عالية جدًّا وغير عاديّة من الإسرائيليّين الذين يتخرجون بمستويات منخفضة من المهارات. حصل 36% على معطيات وعلامات منخفضة وفاشلة في معرفة القراءة والكتابة، و34% على درجة "فاشل" في معرفة القراءة والكتابة الرياضيّة،
و40% فشلوا في حل المشكلات المعقدة. مقابل متوسط منظمة الدول المتقدمة، وهو 25% إلى 30% فقط ، هذا إضافة إلى انخفاض تحصيل طلاب الصف الثامن 14 مركزًا دوليًّا في نتائج الرياضيّات في عام 2023، إلى المركز 23، وتسعة مراكز في نتائج العلوم، إلى المركز 25، مقارنة بفترة الاختبار السابقة في عام 2019، والخطر من ذلك وجود فجوة كبيرة بين الطلاب اليهود والطلاب العرب حيث أظهر ت معطيات الطلاب اليهود انخفاضًا بمقدار 26 نقطة في الرياضيات و29 نقطة في العلوم، والطلاب العرب انخفاضًا بمقدار 56 نقطة في الرياضيات و49 نقطة في العلوم،
وهي معطيات تثير القلق خاصة في مجال التقنيات العالية والعلوم الدقيقة، وتستوجب تغييرًا لسلم الإنفاق القوميّ وتفضيل التعليم والاقتصاد على الحرب والتسلح والتسليح والبحث عن كل فرصة لوقف الحرب ومنع تأثيراتها السلبية على الاقتصاد وهي تأثيرات يستغرق إصلاحها سنوات طويلة ويدفع ثمنها الجميع عامة والطبقات الضعيفة خاصة.
والحال نفسه في إيران، والتي يقترب اقتصادها من الانهيار بخطًى سريعة، فهي تواجه أزمة طاقة متفاقمة أدت إلى تعطيل المنظومات الصناعيّة وزادت من تدهور الاقتصاد الهش. أصلًا، وأشار التقرير أنه رغم امتلاك إيران أحد أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم، إلا أن سوء الإدارة وفشل النظام في التعامل مع التحديات الدوليّة ، وبكلمات أخرى سوء سلم الأفضليّات وقرارات وسياسات الحكومة بالاستثمار في مجالات تصنيع الأسلحة النوويّة وما يرافق ذلك من عقوبات دوليّة، وكذلك تسليح الجماعات المسلحة الموالية لها في الشرق الأوسط، خاصة في السنوات الأخيرة وتحديدًا منذ اندلاع الحرب الأهليّة في سوريا،
قد دفع البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصاديّ، وبالتالي تشهد البلاد انقطاعات واسعة في التيار الكهربائيّ، ما أدى إلى إغلاق أو تقليص ساعات عمل المؤسسات الحكوميّة، وانتقال المدارس والجامعات إلى التعليم عن بُعد، أما الشوارع والمراكز التجاريّة فيسود معظمها الظلام ، و تواجه المصانع نقصًا حادًّا في الكهرباء أدى إلى توقف الإنتاج. باعتراف مسؤوليها بأن بلادهم تواجه مشاكل شديدة في مجالات الغاز والكهرباء والطاقة والبيئة، وكلها قد تتحول إلى أزمات، أدت إلى انخفاض الإنتاج الصناعيّ بنسبة تتراوح بين 30-50%، وخسائر بلغت عشرات مليارات الدولارات.
خاصة في المصالح الصناعيّة الصغيرة والمتوسطة حيث بات العديد منها على وشك الإغلاق النهائيّ، ما أثار حالة من السخط العام وتفاقم الأزمات المتلاحقة، جعلت الخبراء المحليّين والدوليّين يحذرون من أن الوضع الحالي قد يؤدي إلى اضطرابات واسعة النطاق، وضغوط خارجيّة ستكون مواجهات "الحجاب" نقطة في بحرها قد تهدد استقرار النظام الإيرانيّ هناك، وربما سيضطر إلى مواجهتها عبر مزيد من القمع والاضطهاد وكبت الحريات ،
خاصة على ضوء الضربات العسكريّة التي وجهتها إسرائيل واغتيال مسؤولين كبار من "حماس" على أراضيها وفي مقدمتهم إسماعيل هنية، وهزيمة نظام الأسد واغتيال قيادات حزب الله، وهزيمة حركة "حماس" ، جراء ضربات عسكريّة كانت كلها بالتنسيق بين إسرائيل وأميركا ، رغم الخلافات في المواقف بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكيّ جو بايدن، والتي كشف عنها الصحفيّ بوب وودوورد في كتابه" الحرب".
والذي يتحدث به عن الأجزاء المتعلقة ببنيامين نتنياهو وجو بايدن والتي تؤكد أن خلاف الرأي (حول غزة) لا يفسد للود(الموقف من ايران وحزب الله) قضية، فهو يكشف إحباط بايدن تجاه نتنياهو ويصف العلاقة المتقلبة بين الرجلين في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023 ، فبينما أعرب بايدن علنًا عن دعمه القوي لإسرائيل، كان خفية مستاء من نتنياهو ووصفه في كثير من الأحيان بألفاظ قاسية ، وهو إحباط ازداد مع استمرار الحرب وقناعته بأن نتنياهو يتحرك دون استراتيجيّة واضحة، واشتكى بايدن لأحد أقرب مساعديه في البيت الأبيض من عدم مصداقيّة نتنياهو باستمرار وتجاهل تعليماته، علمًا أن غضب بايدن على نتنياهو بلغ ذروته في ربيع 2024، عندما أدرك بايدن أن دافع رئيس الوزراء الإسرائيليّ لم يكن في الواقع هزيمة "حماس" بل ضمان بقائه في الحكم وإبقاء ائتلافه،
ورغم ذلك ساد الاتفاق بينهما على ضرورة كبح نفوذ إيران ومنعها من تشكيل خطر على إسرائيل، او امتلاك أسلحة نوويّة تهدد الأمن القوميّ لإسرائيل وأمن أوروبا، وهو اتفاق لن يتغير بل سيزداد خلال فترة الرئيس القادم دونالد ترامب، قد يصل حد مهاجمة المنشآت النوويّة خاصة بعد ان أصبحت هذه المنشآت مكشوفة أمام الطيران الإسرائيليّ، إضافة إلى ما يحدث في سوريا، وبالتالي على إيران وقيادتها إذا كانت فعلًا تهتم بمصلحة مواطنيها، تغيير سلم أولوياتها والاستثمار في الصناعة والتعليم والكاديميا والاقتصاد، فهل سيحدث هذا؟
ختامًا وإضافة إلى ما سبق، لا شك أن الأزمات والحروب في السنوات الأخيرة زادت من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في أنحاء العالم، وأعادت تلك الهوة إلى صلب اهتمام العديد من الدراسات واهتمام وسائل الإعلام والسياسة، لما لها من انعكاسات على الاقتصاد الكلّيّ للمجتمعات، فالفوارق بين عالم الفقراء والأغنياء، اتسعت في زمن الجائحة والحروب والتوترات التي تعصف بالعالم مما سبب انحسارًا بل ربما غياب الرفاه والرخاء الاقتصاديّ،
وهي إشارات مقلقة لاستقرار المجتمعات، وهو ما كان مكتوبًا وبوضوح على إحدى اللافتات التي رفعها الفرنسيّون خلال مظاهرات "السترات الصفراء" ضد التفاوت الطبقيّ الاجتماعيّ المتزايد في فرنسا كتب عليها" جحيم الفقراء يصنع جنة الأثرياء"، فهل سيبقى الأمر في دول منطقتنا كذلك، وهل سيصبح الشعار هنا:" جحيم الفقراء يصنعه تهور القيادات"؟ وهو ما سيتضح قريبًا بعد أن تصمت طبول الحرب، لنسمع في كافة الدول سابقة الذكر، ومع التفاوت الواضح، بصوت أعلى وأوضح صوت بطون الفقراء أو أمعائهم الخاوية.