ما بين تطبيق القانون وتسييس القانون

بينما تختلف التفسيرات والمواقف والمنطلقات ممّا تشهده إسرائيل في الأسابيع الأخيرة خاصّة، وهو ما كان قد بدأ منذ نحو عامين، عبر ما تسمّيه حكومة بنيامين نتنياهو الحاليّة بمركّباتها اليمينيّة المتزمّتة سياسيًّا ودينيًّا، إصلاحات قضائيّة تهدف إلى تحسين عمل الجهاز القضائيّ وإيضاح الحدود بين صلاحيّات السلطات الثلاث في إسرائيل التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة

29.03.2025 מאת: المحامي زكي كمال
ما بين تطبيق القانون وتسييس القانون

 

وهو ما تسميه المعارضة السياسيّة والجماهيريّة وغالبيّة رجال القضاء، بالانقلاب الدستوريّ، الذي تهدف الحكومة الحاليّة، وبدعم تامّ من معهد "كوهيليت" الدينيّ اليمينيّ ، من خلاله إلى إخضاع الجهاز القضائيّ لسلطة الحكومة، أي السلطة التنفيذيّة، والتي تسيطر اليوم أيضًا وبحكم اتفاقيّات ائتلافيّة تتغيّر وتخدم المصلحة الضيّقة للأحزاب، على السلطة التشريعيّة وتسيِّرها وفق أهوائها وتسنّ القوانين التي تخدمها ، يتّفق  الجميع على  أن الأيّام الأخيرة تشكّل مرحلة هامّة، بل مفصليّة، يعتبرها مؤيّدو الحكومة وأعضاؤها الفرصة المواتية، وربما الأخيرة لتنفيذ خطّتهم المذكورة، والتي تمنح الحكومة ووزراءها صلاحيّات غير محدودة تخوّل لهم اختيار القضاة بطريقة سياسيّة، واستنادًا إلى مواقفهم السياسيّة وتغيير "حرَّاس العتبة"، أي أولئك المستشارين القضائيّين الذين يريدهم الوزراء طائعين لهم، لتمكينهم من تنفيذ وتطبيق التعيينات السياسيّة، بينما يعتبرها المعارضون الفرصة الأخيرة لمنع هذا الانقلاب الدستوريّ ومنع إسرائيل من الانزلاق من مكانتها ووضعها اليوم كديمقراطيّة ليبراليّة حتى لو كانت محدودة ومنقوصة ، إلى دولة يسودها حكم الرجل الواحد وصولًا إلى  دكتاتوريّة لا تختلف عن هنغاريا فيكتور أوربان أو بولندا

 

وهو ما تعزّزه التطوّرات الأخيرة  وخاصّة إقالة رئيس الشاباك(جهاز الأمن العامّ) رونين بار بعد لقاء استمر أقلّ من عشرين دقيقة مع رئيس الوزراء، ورغم تضارب مصالح نتنياهو في ذلك خاصّة على ضوء استمرار تحقيقات الشاباك في القضيّة التي أصبحت إسرائيليًّا تعرف باسم " قطر جيت" والشبهات الخطيرة وشبه المثبتة باعتراف أطراف شاركت فيها، حول حصول مسؤولين في ديوان رئيس الوزراء وأقرب مقرّبيه على أموال من قطر، بعضهم مقابل عمل قدّموه لديوان نتنياهو، وإقرار مشروع قانون لتغيير تركيبة لجنة تعيين، أو اختيار القضاة، بما يزيد من قوّة السياسيّين وخاصّة الائتلاف الحكوميّ، على تحديد هويّة وصبغة القضاة في المحكمة العليا، والشروع بإقالة المستشارة القضائيّة للحكومة غالي بهراب ميارا، وخطوات أخرى  منها تعديل قانون انتخاب المسؤول عن شكاوى الجمهور في الجهاز القضائيّ

 

وكلّها خطوات إذا ما أضيفت إليها تطوّرات سياسيّة راهنة منها العودة إلى الحرب في قطاع غزة والحديث عن صدام محتمل بين إسرائيل وتركيا على الأراضي السوريّة ردًّا على اتّفاق سوريّ تركي يمنح تركيا، سيطرة على مناطق في شمال سوريا،  تشير إلى توجّه واضح للحكومة الحاليّة يدمج ما بين جعل رئيسها صاحب سلطات غير محدودة، ومنحها السيطرة التامّة على التعيينات والجيش والشرطة والشاباك، والميزانيّات وأمور أخرى، وتشريعات لن يكون هناك من يراقبها قضائيًّا ، بكل ما يحمله ذلك من معانٍ على حريّة الفرد وخاصّة الأقليّات، إضافة إلى الضربات التي يلحقها ذلك بالاقتصاد والتي تجلّت بانخفاض كبير في قيمة الأسهم في البورصة، مطلع هذا الأسبوع جرّاء اعلان الحكومة الشروع بإقالة المستشارة القضائيّة، والتي بلغت عشرات مليارات الدولارات،  وهو الأسبوع الذي اتّضحت فيه للمفارقة وخلافًا لخطوات الحكومة التي تمسّ بالاقتصاد، قيمة أكبر صفقة تجاريّة استحوذت فيها شركة "غوغل" العالميّة على شركة " ويز  WIZ  " الإسرائيليّة للخدمات السيبرانيّة حيث بلغت 32 مليار دولار.

 

ما يحدث الآن في إسرائيل على كافّة الصعد السياسيّة، وتحديدًا التشريعات و إقالة رئيس الشاباك ومحاولات إقالة المستشارة القضائيّة للحكومة، والقضائيّة عبر تشريعات تسيس القضاء وأضعاف المحاكم ،  والمرافق الاقتصاديّة خاصّة مع إقرار ميزانيّة العام الجديد والبالغة نحو 620 مليار شيكل هي الأكبر في تاريخ البلاد وتشمل ضربات اقتصاديّة كبيرة وميزانيّات كبيرة لقطاعات غير منتجة في مقدّمتها المتديّنين المتزمّتين الحريديم ترفض قانون التعليم الإلزاميّ بتفاصيله الملزمة بدراسة العلوم  الدقيقة واللغات وحتى الرياضيّات وبالتالي تكاد لا تصل الصناعات  المتقدّمة، ولا تشارك في زيادة الدخل القوميّ، وليس ذلك فحسب، بل إنها تشكّل عبئًا على ميزانيّة الدولة عبر مخصّصات بعشرات المليارات للمدارس الدينيّة والاستيطان وتعزيز الهويّة اليهوديّة(يتضح أنها ميزانيّات تحصل عليها تسع وزارات دون ترتيب داخليّ للأولويّات) ولا تخدم في الجيش، بل ترفض قانون التجنيد الإجباريّ، وتعلن جهرًا أنها ترفض الانصياع للقانون، دون أن تحرّك الحكومة  ساكنًا لمنع ذلك التهرب من الخدمة، بل يرقص وزير الأمن يسرائيل كاتس  وبعده وزير الإسكان غولدكنوف ، في حفل زواج ابن أحد الحاخامات وسط أهازيج تصف الحكومة بحكومة الكفار، وتعلن أنهم لن يصلوا مكاتب التجنيد رغم الحرب المتواصلة ، وسط سعيّ مستهجن من الحكومة الحاليّة لسنّ قانون يعفي المتديّنين المتزمّتين الحريديم  من الخدمة العسكريّة،  هو صدام سيحدّد هويّة دولة إسرائيل في العقود القادمة

 

فهو صراع بين توجّهات مختلفة أولها تفسير القانون مقابل تسييس القانون، والقصد هنا رغبة الحكومة في إقالة المستشارة القضائيّة للحكومة، بحجّة "علاقات عمل لا تتّسم بالتعاون والتفاهم" ، وتعيين مستشارين قضائيّين يدينون بالولاء لمن عينهم وتسييس القانون وتجييره لمصلحتهم، بمعني منح الشرعيّة القانونيّة لكل ما يقوم به الوزير وتقم به الحكومة،  ومنح السلطة التنفيذيّة سلطات غير محدودة دون رقابة قضائيّة، أو دون كوابح وتوازنات، ويشمل ذلك السماح بسيطرة جهات مقربة من حركة" كاخ" وحركة" كهانا حاي" اللتين صنّفتا كمنظمات محظورة ، على مواقع اتخاذ القرارات كما تمّ الكشف عنه مؤخّرًا من تحقيقات يجريها الشاباك لمنع ذلك، وجعل المستشار القضائيّ موظّفًا لا استقلال له، مهمّته شرعنة التعيينات والخطوات حتى لو كانت غير قانونيّة وتنافي الشرائع، وهو ذاته صراع بين من يصرّ إخضاع السياسيّين وتصرّفاتهم وقراراتهم كما في كل نظام ديمقراطيّ وليبراليّ إلى سلطة القانون وسطوته، ومن يصرّ على إخضاع القانون لأهواء السياسيّين ونزواتهم، وصولًا إلى حالة يغني كلٌّ منهم فيها على ليلاه، ويعمل ما يحلو له ، فهو في حلّ من المساءلة والسؤال، أو حتى إيجاد وتوفير التبريرات،  كما أنه الصدام الذي تشهده الدول قبل انتقالها من الديمقراطيّة إلى الديكتاتوريّة، أو سيطرة الرجل الواحد

 

وهذا هو الحال في الولايات المتحدة رغم تغنّيها بالديمقراطيّة فهي نظام حكم رئاسيّ يمنح الرئيس صلاحيّات تكاد تصل حدّ صلاحيّات الملوك في دول العالم الثالث والسلاطين، فهو يعيّن ويقيل ويصدر الفرمانات الرئاسيّة، ويعيّن قضاة المحاكم بما فيها المحكمة العليا طوال عمرهم، أي أنه الصراع بين "الولاء للمملكة " أي الوطن،  أو "الولاء للمَلِك" أي القائد السياسيّ  قبل الوطن، وهذا ما أراده نتنياهو فهو يدّعي وكمبرّر لإقالة رئيس الشاباك أنه " لا يثق به" وكأن هذا المنصب هو منصب يتطلّب الولاء الأعمى للرئيس والزعيم، وليس خدمة الدولة وصيانة أمنها وسلامتها، ودرء التهديدات الداخليّة والخارجيّة عنها، ومنع أي محاولات للمسّ بنظامها الديمقراطيّ، كما تنصّ تعليمات الشاباك

 

وهو ما ردّ عليه رئيس الشاباك رونين بار  قائلًا إنّ وجود ولاءات شخصيّة لرئيس الوزراء يتناقض مع قانون الشاباك والمصلحة العامّة، كما أنه الصراع بين إسرائيل الديمقراطيّة الليبراليّة والعلمانيّة، رغم أن الحريديم المتزمّتين يشكّلون اليوم ثلثها تقريبًا،  التي وكما تثبت صفقة " ويز  WIZ  " تشكّل " أمّة الستارت أب" ونبعًا لا ينضب من الاختراعات والابتكارات  التكنولوجيّة وجوائز "نوبل" في العلوم والاقتصاد وغيرها، والانفتاح على العالم الواسع وبناء جسور التفاهم والتعاون معه كمقدّمة ربما للسلام والتطبيع والمصالحة، والقدرات العسكريّة والاستخباراتيّة التي تستند إلى التكنولوجيا المتقدّمة خاصّة في وحدات النخبة ومنها" 8200" وهي الوحدات التي خدم فيها المدير العام لشركة" ويز  WIZ  " واسمه أساف رابابورت (ناشط بارز في الحركات الاحتجاجيّة ضد الانقلاب  الدستوريّ، ومن أجل وقف الحرب في غزة وإطلاق سراح كافّة الرهائن)، ومعه شركاء ثلاثة، وبين إسرائيل الدولة اليهوديّة التي تعتمد التوراة نهجًا وتقدّس دراسة الشريعة اليهوديّة والمعاهد الدينيّة والامتناع عن العمل، أو الخدمة العسكريّة والاكتفاء بمدخولات قليلة لا تكاد تسدّ الرمق، والاعتماد على مخصّصات حكومة أثبتت كافّة الدراسات الاقتصاديّة أنها تكريس للفقر  والعوَز ، والجهل والتأخّر العلميّ فالمجموعات المتزمّتة التي يزداد عددها ونسبتها بين مواطني إسرائيل اليهود، ودون إضافة المواطنين العرب ونسبتهم 22% من المواطنين يعانون أوضاعًا اقتصاديّة صعبة ومساهمتهم في الحركة الاقتصاديّة لا يتناسب ونسبتهم السكانيّة، بل أقل بكثير

 

فالمعطيات تؤكد أن الرجال في المجتمع، أو الجناح الديني المتزمّت- الحريديم- يفتقرون إلى المهارات  الأساسيّة وحتى الدنيا اللازمة لدفع عجلة اقتصاد متقدّم ينتمي للعالم المتطوّر، إن كانوا يريدون العمل من الأساس، إضافة إلى أن نصف الأطفال في إسرائيل، وهم بالأساس من  اليهود الحريديم وكذلك العرب، يحصلون على تعليم يشبه التعليم في العالم الثالث، وهؤلاء الأطفال ينتمون لأسرع فئات السكان نموًّا في إسرائيل(52 % من العائلات اليهوديّة المتزمّتة تقع تحت خط الفقر، رغم أن المعدّل العامّ يشير إلى أن النسبة العامة هي 22%)، وهي مواجهة بين من يسعى إلى الرفاه الاقتصاديّ والعلميّ والتعليميّ والسلام مع الجيران القريب منهم والبعيد، وبين من يريد بسط الشريعة اليهوديّة وإقامة دولة إسرائيل التوراتيّة، التي تحتّم" العيش دائمًا على حدّ السيف".

 

لأوّل وهلة قد لا تبدو العلاقة واضحة وجليّة بين ما سبق من أمور، لكنها مرتبطة أيّما ارتباط، فتحويل إسرائيل إلى دولة يكون فيها الولاء للقائد والسيّد دون رقيب أو حسيب، هو ما سيسمح للحكومات والأحزاب بسنّ تشريعات تصبّ في مصلحة مصوّتيها الفئويّة والمختصرة، دون اهتمام بالمصلحة العامّة، أو احتياجات الدولة، وتسمح للحكومة بأن تلقي بأعباء الخدمة العسكريّة على عاتق  مجموعة دون أخرى، وعدم تطبيق القوانين التي تفرض على المتهرّبين من الخدمة عقوبات وغرامات، أو تحرمهم من ميزات معينة، وهو ما سيجعل رئيس الوزراء  المخوّل بسلب الحريّات وتقييد حريّاتهم وخاصّة الأقليّات

 

ومن هنا ينبع اعتقادي من أن الانقلاب الدستوريّ إذا ما تمّ تنفيذه، قد يعني وقف مشاركة المواطنين العرب في الانتخابات البرلمانيّة، وهو ما تشير إليه تفاصيل الميزانيّة التي تم إقرارها والتي تحرم المواطنين العرب من الميزانيّات حتى تلك البسيطة منها، وما رشح من معلومات حول موافقة وزيرة المساواة الاجتماعيّة، الوزيرة ماي غولان، على نقل ميزانيّات المجتمع العربيّ في وزارتها إلى وزارة الأمن القوميّ برئاسة إيتمار بن غفير، التي كانت ألغت سابقًا ميزانيّات مكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربيّ، وقبلها إلغاء عشرات ملايين الشواكل من ميزانيّات كانت مخصّصة من وزارة الماليّة ووزيرها بتسلئيل سموتريتش ، للسلطات المحليّة العربيّة، وهي التي تسمح لرئيس الوزراء ومقربيه ومعاونيه بالحصول على الأموال والهدايا والدعم، من دول يعتبرها القانون الإسرائيليّ دولًا معادية ، وربما حصول مسؤولين في مكتب رئيس الوزراء على أموال مباشرة من دولة قطر، والتي تم الكشف عن أن رئيس الوزراء ، دأب في ختام كل مشاورات أمنيّة وسياسيّة، على تأكيد دور قطر الإقليميّ في تسوية الصراع بين إسرائيل وقطاع غزة، وذلك تحت مسمّى" مصادر سياسيّة "، بمعنى السماح للقائد بارتكاب ما يريد من مخالفات  فهو الأهم في نظر نفسه، بل إنه كما قال لويس الرابع عشر:" أنا الدولة والدولة أنا".

 

القضية المسمّاة" قطر جيت" والتي شرع الشاباك بالتحقيق فيها منذ شهر، وسط تعتيم إعلاميّ سببه أوامر قضائيّة بحظر النشر، هي الأخطر فهي تواصل إشغال الرأي العام خاصّة عبر تطوّراتها الأخيرة، وهي اعتراف رجل أعمال هو غيل بورغر، بأنه نقل أموالًا من جي فوتليك،  الناشط في خدمة الحكومة القطرية إلى المتحدّث العسكريّ باسم رئيس الوزراء نتنياهو(متّهم بتسريب معلومات استخباراتيّة من مكتب رئيس الوزراء إلى صحيفة بيلد الألمانيّة للمسّ باحتمالات صفقة لتبادل الرهائن)، وهو ما اعترف به محامي فلدشتاين موجهًا أصابع الاتهام، ولو تلميحًا إلى أن يوناتان اوريخ، المقرّب من رئيس الوزراء وحافظ أسراره، كان على علم بهذا الأمر، وهو ما أدّى إلى اعتقال أوريخ وفلدشتاين يوم الجمعة الأخير، وبالتالي ودون الخوض ما إذا كان رئيس الوزراء على علم بما يدور فيها من شبهات، أو لم يكن على علم بها،

 

فالحالتان أولاهما أسوأ من الثانية عملًا ببيت الشعر المشهور للإمام ابن القيم ( في وصف الجنَّة):" فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم" خاصّة وأن نتنياهو هو من أقنع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ومنذ العام 2018، بنقل 30 مليون دولار شهريًّا إلى حركة "حماس" واهتم باستمرار ذلك حتى في حالات المواجهة العسكريّة عبر إرسال رئيس الموساد السابق يوسي كوهين إلى الدوحة، وهو الذي وكما كشفت وسائل الإعلام من عمل في أكتوبر 2023، على تأخير موعد إغلاق مكاتب قناة "الجزيرة"  في إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينيّة رغم مطالبة الموساد والشاباك والجيش بذلك،  وهو كما اتّضح من أقنع رئيس مجلس الأمن القوميّ تساحي هنجبي وبعد أيامٍ قليلة من هجمات السابع من أكتوبر التي رشح أنها تمّت بتمويل قطريّ مكَّن "حماس" من التسلّح وبناء الأنفاق، بنشر تغريدة تمتدح قطر ودورها الإقليميّ، وهو من حسم الأمر، أو التنافس بين التوجّه إلى قطر للتوسّط بين إسرائيل وحركة "حماس"  التي أرادها الموساد أيضًا، مفضّلًا إياها على مصر التي أرادها الشاباك، ليتضح أن ذلك يتزامن مع قيام قطر بضخّ أموال بمبالغ كبيرة، إلى مقرّبي رئيس الوزراء والمستخدمين في مكتبه،  وفق الشبهات والاعترافات خاصّة الناطق العسكريّ بلسان نتنياهو الذي فشل في الحصول على المصادقة الأمنيّة للعمل في ديوان رئيس الوزراء، فالتفّوا على ذلك بتشغيله عبر مدير عامّ المكتب، وعندما اتضح أنه لا يمكن دفع راتبه بسبب عدم توفّر المصادقة الأمنيّة، قرّروا دفع راتبه من أموال تصل من قطر،

 

هناك في وسائل الإعلام من يؤكد أنها كانت الوقود الذي حرَّك الحملة الممنهجة التي نفّذها رئيس الوزراء ومكتبه ، ضد الجيش منذ الأيام الأولى التي تلت السابع من أكتوبر 2023 وهدفت إلى إلصاق تهمة الإخفاق بالجيش وإبعادها عن نتنياهو الذي كان وراء نقل الأموال من قطر إلى "حماس" ، وكلها معلومات تتردد في مجموعات اتصال يشارك فيها كبار قادة الجيش والمخابرات في السابق، أكدوا جميعًا خطورة العلاقات مع قطر وكونها الراعية لحركة" الإخوان المسلمين" وقيادات "حماس" وكون قناة الجزيرة، وكما قال دافيد ميدان، أحد قادة الموساد السابقين، تبث توجّهات إسلاميّة متطرّفة تؤيّد الجهاد، ولا تعترف بإسرائيل حتى في حدود عام 1948، وبالتالي كان يرفض زيارتها رغم أنه زار سرًّا حينها معظم دول الشرق الأوسط حتى تلك التي ليست لها مع إسرائيل علاقات دبلوماسيّة.

 

إسرائيل اليوم في حالة خاصّة، يعلن فيها رئيس الوزراء أنه فقد الثقة بوزير أمنه السابق يوآف غالانت مرتين، الأولى عندما حذَّر من أخطار الانقلاب الدستوريّ فأقاله ثمّ تراجع، والثانية قبل نحو شهرين وفي خضم الحرب في غزة فأقاله، كما ادعى فقدان الثقة برئيس هيئة الأركان الجنرال هرتسي هليفي الذي أعلن استقالته، ثم فقدان الثقة برئيس الشاباك رونين بار فأقاله، رغم أن محكمة العدل العليا أصدرت أمرًا مؤقّتا يجمّد الإقالة، حتى الثامن من إبريل القريب، ثم جاء دور المستشارة القضائيّة للحكومة غالي بهراب ميارا، والتي شرعت الحكومة بإقالتها تصريحيًّا على الأقلّ، رغم صعوبة ذلك كما يدعي أنه فقد الثقة بكافة أصحاب المناصب القضائيّة الذين يحاكمونه بتهم الفساد، وهو حال بعض الوزراء في حكومته أيضًا،  ويريد وائتلافه سنّ القوانين التي تجعل الولاء له وليس للدولة، بمعنى الولاء الشخصيّ لرئيس الوزراء، وليس الولاء المهنيّ ولمصلحة الدولة في الوقت الذي تتواصل فيه محاكمته والتحقيقات حول "قطر غيت" وسط ازدياد المعلومات التي تثبت الشبهات، دون أن يحرّك نتنياهو ساكنًا إزاء هذه القضية التي تمسّ مقرّبيه ومستشاريه، وربما بعلمه أو دون علمه، وهو ما دفع رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت للقول إنه لو كان هو رئيس للوزراء واكتشف على سبيل المثال أن موظّفي مكتبه يحصلون على أموال من دولة أجنبيّة، حتى لو كانت أقرب الأصدقاء، لكان استدعى الشرطة والشاباك والمستشارة القضائيّة طالبًا تحقيقا فوريًّا ومحاسبة شديدة وقاسية للمتورّطين، بعكس ما يفعله نتنياهو من دفاع مستميت عن المشتبهين، واتهام الجميع بالتآمر عليه والرغبة في إنهاء حكم اليمين، بالتعاون بين الإعلام والسلطة القضائيّة والدولة العميقة.

 

هذا هو الحال اليوم، حكومة تسعى عبر تشريعات تستغل أغلبيّتها البرلمانيّة الواضحة لفرض دكتاتوريّة الأغلبيّة، وإسكات القانون لصالح الولاء السياسيّ، وأن تكون سلطة فوق القانون تُقصي من يذكّرها بحدودها وسلطة القانون وضرورة اتّباع النظم، وكل ذلك وسط استمرار الحرب في غزة والتوتر في لبنان وخطر الصدام مع إيران وتركيا، ووسط أوضاع اقتصاديّة دفعت شركات التصنيف الائتمانيّ إلى التحذير من أخطار التشريعات الجديدة وعودة الحرب وخاصة على قطاع الهايتك الذي يبحث عن الاستقرار السياسيّ والاقتصاديّ، وفوق كل ذلك انشقاق داخليّ خطير  يعتبره كثيرون الخطر الأكبر على إسرائيل، وتحذيرات من حرب أهليّة محتملة وفراغ دستوريّ إذا ما قرّر رئيس الوزراء تجاهل قرارات محكمة العدل العليا حول إقالة رئيس الشاباك والمستشارة القضائيّة للحكومة، وتحذيرات من سيطرة عناصر من حركات تعرّفها القوانين على أنها إرهابيّة، على بعض مفاتيح السلطة في إسرائيل، وحملة تطهير حقيقية وإبعاد المعارضين  السياسيّين وحرَّاس العتبة والموظّفين المهنيّين من المناصب ذات التأثير ، سعيًا إلى ولاء مطلق للقادة والملك، وليس للسيادة والوطن وفساد يطول الحكومة والسلطات المحليّة والشرطة والجيش وغيرها..

 

ختامًا: ما سبق سينتهي إلى أحد أمرين لا ثالث لهما، فإما أزمة لا تبدو في الأفق تؤدي إلى انهيار الائتلاف الحاليّ الذي يبدو متماسكًا للغاية، تحركه الرغبة في التشبّث بالسلطة،  وإما استمرار  الوضع الحالي لتبلغ الحكومة أجلها عام 2026 مع انتهاء ولايتها الدستوريّة، وعندها انتخابات قد لا تسمح التشريعات للمواطنين العرب بالمشاركة فيها انطلاقًا من طلب إبداء الولاء للحاكم وليس للحكم،  سينتظر الجميع نتائجها التي ستكون نهاية حكم الائتلاف الحاليّ إذا صدقت الاستطلاعات وقرّر الجمهور الإسرائيليّ تدفيع الحكومة الحاليّة ورئيسها وكافّة مركّباتها ثمن السابع من أكتوبر والانقلاب الدستوريّ، وعندها سيكون على الحكومة القادمة، إذا كانت مختلفة، إصلاح ما يمكن إصلاحه، او إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والسؤال إذا كان ذلك ممكن،  أم أن هذه الأيام هي الحدّ الفاصل بين إسرائيل الحاليّة والتي ما زال بالإمكان رغم التحفّظات، وصفها بالديمقراطيّة، وبين إسرائيل المستقبليّة، التي ستكون تحت سلطة الحاكم الواحد وربما لليهود فقط.. بل ليس كلهم وأقول هذا رغم أن ما يحدث اليوم هو تطبيق لمبادئ الديمقراطيّة التي قالت عنها الكاتبة الأمريكيّة هيلين كيلر:" نحن لسنا أحرارًا وديمقراطيتـنا ليست سوى اسم، فما معنى أن ننتخب؟ كـل ما نفعل أننا نختار بين ناكر ونكير " أي بين خيارات موجودة هي ليست بالضبط ما نريد، أو أنه "حكم الأغلبيّة"، وهنا واستذكر قول الشاعر والمسرحي والفيلسوف الألماني، فريدريك شيلر:" صوت الأغلبيّة ليس إثبـاتًا للعدالة".

 

إنني على ثقة بأن العرب في إسرائيل إذا لم يلغَ حقّ الانتخاب الممنوح لهم، ستكون أمامهم فرصة  في الانتخابات القادمة سواء جرت في موعدها أو قبله، وفي حال خرجوا للتصويت بنسبة كبيرة في صناديق الاقتراع،  لإحداث تغيير كبير وهامّ، وذلك شرط وبعد  أن تتحرّر الأحزاب العربيّة من الفئويّة والطائفيّة والقبليّة الغوغائيّة، لتفرز شخصيّاتٍ قياديّة ورياديّة تستطيع أن تتحدّث إلى " الخواجا" بلغة العقل والمنطق  وبالندّيّة، وعلى قدم التساوي والمساواة.

 

תגובות

מומלצים