الفارق الخطير بين إدارة الأزمات والإدارة بواسطة الأزمات

قبل أن تضع الحرب الحاليّة أوزارها، سواء كان على جبهتها الأساسيّة في قطاع غزة، والتي تشهد أحداثًا غير مسبوقة من حيث رقعة العمليّات العسكريّة وتنقّلات السكان الفلسطينيّين مرغمين من شمال القطاع إلى مركزه فجنوبه, ومن جنوبه عودةً إلى مركزه

31.08.2024 מאת: المحامي زكي كمال
الفارق الخطير بين إدارة الأزمات والإدارة بواسطة الأزمات

 

وهكذا دواليك، فضلًا عن عشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين ونحو ألفين من الإسرائيليّين المدنيّين والجنود، أو تلك الفرعيّة على الحدود الشماليّة بين "حزب الله" وإسرائيل والتي تلتزم حتى اليوم بقواعد اشتباك واضحة، أو ألسنة لهب يتحمّل الطرفان شدّة لهيبها، تقترب أحيانًا من حدّ الانفجار كما حدث مطلع الأسبوع الحاليّ بمواجهة شديدة استمرت لساعات كفى الله المؤمنون بعدها شرّ القتال،  أو الجبهة مقابل إيران والحوثيّين، فمن الواضح للجميع أن ما كان قبل السابع من أكتوبر، وفي كل من المواقع ذات الصلة، هو ليس ما سيكون بعدها، وأن الحرب الحاليّة رغم عبثيّتها تبدو صاحبة تأثير،

خاصّة على المدى البعيد، سيكون أقسى ممّا تخيّله الكثيرون، وأن نتائجها ولا أقصد هنا تلك الحربيّة والعسكريّة، بل تحديدًا تلك غير العسكريّة والأمنيّة، بل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمدنيّة والقضائيّة، ستكون الأقسى والأشد والتي يتطلّب إصلاحها سنوات تتلوها سنوات، على الصعيدين الداخليّ والخارجيّ على حدّ سواء. وهي نتائج، وإن اختلفت حدّتها عن تلك في الحروب السابقة التي شهدتها المنطقة، وخاضتها دولة إسرائيل منذ عام 1948 وحتى اليوم، والعمليّات أو الحملات العسكريّة ضمن الصراع الدائر منذ 2008 بين إسرائيل وحركة "حماس" ،

والتي بلغت 14 حملة عسكريّة، كان من الواجب، بل من الضروري، توقّعها وأخذها بالحسبان واتّخاذ كافّة الإجراءات لمنعها وتفاديها، أو على الأقلّ تخفيف حدّة أضرارها ومداها، فالتجارب التاريخيّة كثيرة ونتائجها كان لا بدّ أن تكون ماثلة وعبرة أمام القادة في كافّة الأطراف، وبالتالي أمكنهم اختيار إمكانيّة استخلاص العبر من تجارب الآخرين، دون "ضرب الرأس بالحائط" عملًا بالقول الشهير لرجل الدولة والسياسيّ البروسيّ الألمانيّ بسمارك ،إن "البعض لا يتعلّمون إلا من تجاربهم الخاصّة، أمّا أنا فأفضل الاستفادة من تجارب الآخرين"، هذا القول المأثور الذي يلقي الضوء على منطلقات القيادات وتصرّفاتها خاصّة خلال الحروب، وقدرتها على رؤية ما بعد أَرنبة أنفها، والفهم المسبق للنتائج الحقيقيّة للحروب، والتي تكون في جوانبها غير العسكريّة أحيانًا نتائج غير مباشرة تشكّل الحرب المحفّز لظهورها وتعاظمها، وبالتالي يمكن للقيادات أن تصر على "الغوص في الوحل "بمعنى خوض التجربة المباشرة، أو الاتّعاظ المسبق وفهم العبر قبل وقوع الفأس بالرأس، بمعنى التعلّم من التجربة غير المباشرة. وهي الحالة الأفضل باعتبارها أقل ضررًا وأكثر شمولًا واتّساعًا.

 


أقول هذا مؤكّدًا أنه الحال، وعلى مختلف الأصعدة في كافّة المواقع ذات الصلة بالحرب الحاليّة، فإسرائيليًّا يمكن الجزم منذ اليوم أن ما كان هو ليس ما سيكون، فعلى صعيد الإعلام والتعاطي الإعلاميّ مع الحرب برزت ظاهرة جديدة تشكّل النقيض التامّ للقاعدة الأساسيّة التي تحكم العمل والتقرير  الصحفيّ، وهي القاعدة التي تقول إن الخبر مقدس والتعليق حرّ، وهي عبارة وإن كانت قصيرة وموجزة إلا أنها ترسم الحدود الفاصلة بين التقرير الصحفيّ من جهة والتحليل الإخباريّ من جهة أخرى. وهي حدود هدمتها الحرب الحاليّة والتي تحوّلت فيها التقارير الصحفيّة واللقاءات مع المراسلين في استوديوهات التلفزة إلى ساحة للتحليل وإبراز المواقف الخاصّة والتوجّهات الشخصيّة،

والتي لم تكتف بالتطرّق إلى ما حدث من وقائع، بل تعدّت ذلك إلى إسداء النصائح، واقتراح الخطط العسكريّة البديلة لتلك التي ينفّذها الجيش، بما فيه اقتراحات بتسوية غزة بالأرض، أو رش أراضيها خاصّة في المناطق التي غادرها سكانها مرغمين، بالملح كما جاء في التوراة اليهوديّة، لتخريبها تمامًا ومنع أيّ إمكانيّة لاستصلاحها وزراعتها، أو مواصلة العمل العسكريّ واستهلاله بضربة توقع 100 ألف قتيل في غزة، أو الدعوة إلى قصف بيروت وضاحيّتها الجنوبيّة وطهران وغيرها،

وصولًا إلى صحافيّين تحوّلوا إلى محلّلين يضربون بسيف السلطان ويشرعنون كل خطوة يتّخذها الجنود في غزة والمستوطنون في الضفة الغربيّة حتى لو كانت مخالفة للقوانين الإسرائيليّة الخاصّة، ولكافّة الشرائع والقوانين الدوليّة، دون أن يدركوا أن هذه النتيجة ستبقى ماثلة بعد الحرب، وأنها أيّ خرق التشريعات والتعليمات القانونيّة لا يتوقّف عند حدود العدو أو الخصم، ولا ينحصر في العمل العسكريّ، وما يرافقه  من توجّهات تجاه الخصم، بل إنه يصل خطوات تنفذها وتشرعها وتتّخذها  السلطة والحكومة يبرّرها  صحافيّون ينطقون بإسم السلطان، ينفّذون أجندته ويعادون من يعارضها ويعتبرون ذلك مسًّا بالعمل الوطنيّ والصمود خاصّة خلال الحرب.

 


وإن كنت أدرك  أن الحروب لا تُكسب عبر الإعلام، وأن الوقائع على الأرض هي التي تحدّد النتائج، إلا أن تخلّي الإعلام الإسرائيليّ عن دوره في هذه الحرب أكثر من غيرها، بل ربما دون غيرها، وانتقاله من موقع التقرير ونقل الخبر إلى موقع التصفيق للقائد والسلطان، ومن موقع نقل المعلومة إلى موقع تجييش الرأي العامّ، وضمان أكبر قدر من الدعم لخطوات الحكومة، عبر تماهٍ شبه تامّ مع بيانات الجيش والامتناع عن طرح الأسئلة الحارقة بادّعاء أن الوقت غير مناسب،

وأن المساءلة يجب بل عليها أن تنتظر حتى انتهاء الحرب. أما طريقة المساءلة فمتروكة للسياسيّين والعسكرييّن المسؤولين عمليًّا عن إخفاق السابع من أكتوبر، فإن حالة الإعلام العبريّ وتحولّه إلى جوقة مشجّعين،  يشكّل خطوة أخرى في انخراط إسرائيل التامّ في الشرق الأوسط، وبات يجاري في أدائه، تصرّفات وسائل الإعلام العربيّة التي تحوّل مراسلوها ومحلّلوها  منذ 1948 وحتى يومنا هذا إلى فئة  لا تمارس مهنة الصحافة الحقيقّية، بل مهنة وحرفة شرعنة وتكريس ممارسات إعلاميّة دعائيّة واسعة حاولوا من خلالها تجميل نكسة السادس من حزيران، وتحويل حرب أكتوبر من تحريكيّة إلى تحريريّة.  وهي سلسلة من  التضليل سرعان ما  انهارت أمام التطوّرات العسكريّة الميدانيّة،

وهو ما تكرّر عراقيًّا وعلى نفس الشاكلة  قبيل حرب الخليج، واجتياح العراق عبر إعلام مجنَّد أقنع كثيرين داخل  العراق وخارجه بأن السلاح العراقيّ يمكن أن يصمد أمام الأميركيّين، وأن يكبَّدهم خسائر فادحة، لكن سقوط بغداد السريع كان الجواب، وهو ما يحدث في إسرائيل منذ بداية الحرب من حيث الانسياق التامّ وراء الرواية الرسميّة دون فحص، أو تمحيص وتجاوز للحدود بين الصحافة الحقيقية والتطبيل والتهويل،

وممارسة رقابة ذاتيّة هي الأخطر على أيّ إعلاميّ، وعدم طرح أسئلة واجبة وضروريّة حول أهداف الحرب وشعاراتها ومجرياتها والحديث فيها عن "نصر مطلق"، وهي خطوة لن تنتهي مخاطرها بانتهاء الحرب، بل ستبقى نتائجها ماثلة وموجودة، حتى بعد الحرب من حيث تكريس توجّهات تمنع الصحافيّين من ممارسة مهامهم، كما يمليها الواجب الصحفيّ باعتبار أيام الحرب غير مناسبة للانتقاد وتصحيح المسار، وباعتبار الإعلاميّ ملزم بالخطّ السياسيّ الرسميّ، وقبول البيانات العسكريّة كموادّ منزّلة ومنزَّهة عن الخطأ والبهتان، والأمر كذلك في أصعدة أخرى سنعود إليها.

 


ما يحدث في هذا المجال يعيد إلى الأذهان السؤال الأزليّ حول التغييرات المؤسفة التي لحقت بالدور الحقيقيّ للصحافة والإعلام خاصّة أيّام الحرب، وهو الدور الذي لعبه المذيع الشهير في محطة CBS والتر كرونكايت  خلال حرب فيتنام،إذ أصرّ على التمحيص والتدقيق رافضًا الانصياع للرواية الرسميّة الأميركيّة التي حاول أنصار الرئيس ليندون جونسون تسويقها حول إمكانيّة تحقيق النصر في الحرب المذكورة، وأصر على عرض الصورة الحقيقيّة وترديد شعاره المعروف: "هذا هو الوضع"، والتأكيد على أن النشرات الإخباريّة صُمِّمَت لتكون المرآة التي توضع أمام الناس لعرض الحقيقة، وكشف ما يحدث والتركيز على الأخبار الصحيحة وإظهار ما حدث للجمهور،

وهو ما دفع الرئيس جونسون إلى القول :" إذا كنت قد خسرت والتر كرونكايت فمعناه أنني خسرت الطبقة الوسطى كلها في أميركا" مؤكّدًا بذلك  الوصف الذي تم إطلاقه على  كرونكايت بأنه الرجل الأكثر ثقة في أمريكا، وربما ساهم  أكثر من أيّ شخص آخر في حشد الطبقة المتوسطة في أمريكا ضد الحرب في فيتنام، والتأثير على الرأي العام الأميركيّ، خلال احتجاز الدبلوماسيّين الأمريكيّين كرهائن في طهران. وهو ما كان قد أكّده مقال نشره الناشر الحاليّ لصحيفة نيويورك تايمز، ومنذ العام 2018  آرثر جريج سالزبرجر، الذي حذَّر في مقال مطول من أخطار" الصبغة السياسيّة للصحافيّين" وقال إن ذلك يترك وصمات على الصحافيّين، ويحوّلهم إلى صدىً يردّد شعارات للسياسيّين، دون أدنى جهد للاقتراب من جمع الحقائق وعرضها بشكل موضوعيّ.

 


نتيجة أخرى واضحة ستبقى ماثلة بعد الحرب تتعلّق بالجوانب القضائية والأسئلة المتعلّقة بها وملخّصها يدور حول تعريف، أو تحديد ما هو قانونيّ وما هو شرعيّ، وما هو مسموح وربما ما هو ذكّي، وذلك في خضم النقاشات السياسيّة والاستقطاب الخطير في إسرائيل اجتماعيًّا وسياسيًّا ،الذي يلفّ الحرب الحاليّة والذي يتّسع بشكل خطير ربما لن يكون بالإمكان جسره،

حيث يرفض طرفا النقاش في المجتمع الإسرائيليّ، الأول ذلك الذي يريد رفع اليد عن كافّة التصرفات والتصريحات والسماح بها حتى لو كانت غير شرعيّة في الظروف العادية عملًا بالقول:" البادئ أظلم" أو " في روما تصرّف كما أهل روما" وذلك الذي يطالب بالانصياع للقانون، ويؤكّد أن الالتزام بالقانون والأخلاقيّات هو الشرط لتحقيق النصر،

والمثال على ذلك انتصار الحلفاء ومعظمهم،  بل كلهم من دول ديمقراطيّة  على ألمانيا النازية التي تفوّقت عليهم  عسكريًّا عددًا وعتادًا ، لكنهم تفوقوا عليها بأخلاقيّاتهم ، وهما طرفا نقيض في المجتمع الاسرائيليّ يرفض كل منهما ما اقترحه الفيلسوف الأميركيّ ستيفان كوبي، وأسماه" البديل الثالث" وهو الحلّ الوسط الذي يجب الوصول إليه ليس عبر تنازل أيّ طرف عن مبادئه، بل عبر حوار بين الطرفين ينتهي إلى حلّ يسمح لكلّ منهما بالحفاظ على مبادئه الهامّة عبر فكر خلّاق ومبدع، واستعداد للتفاهم والتفهّم، وهو المفقود حاليًّا في إسرائيل،

خاصّة بين المعارضة والائتلاف، أو بين مؤيّدي صفقة التبادل ووقف إطلاق النار وغيرهم، لكنّ الأخطر في هذا السياق هو وصول هذا الخلاف إلى الصعيد القضائيّ ومطالبة جهات كثيرة بعدم محاسبة أيّ جندي على ارتكاب مخالفات مهما كانت، فالعدو كان البادئ وهو يستحق كلّ ردّ وكل عقاب، وعدم اعتقال أيّ مخالف وإلا سيتمّ اقتحام معسكر الجيش وتحريره كما حدث في "سديه تيمان" وعندها لن تحرّك الشرطة،

وهي واحد من أجهزة تطبيق وإنفاذ القانون ساكنًا، باعتبارها تحت غمرة وزير يريد إلقاء الحبل على غاربه للجنود وأفراد الشرطة وحتى المدنيّين اليهود الذين زوّدهم بعشرات آلاف البنادق دون قيود أو شروط، ناهيك عن قيام سياسيين باقتحام معسر للجيش خلافًا للقانون ومنعا لتحقيق قضائي سيمكن إسرائيل من تجنّب الوقوع في فخّ المحكمة الجنائيّة الدوليّة،

وربما تجنّب بعض القيادات في الدولة أوامر اعتقال باتت قاب قوسين. وهو اعتبار يندرج ضمن "تأييد" التحقيقات  ربّما فقط لدرء الخطر، مقابل من يطالب أن تحافظ إسرائيل على القوانين الدوليّة والأعراف المتّبعة، وأن تمنع أيّ تجاوزات خلال الحرب في غزة، أو ضد فلسطينيّين في الضفة الغربيّة، إضافة إلى منع أيّ تصريحات تحضّ على العنف، وتدعو إلى ارتكاب أعمال غير قانونيّة، وبضمنها تصريحات عنصريّة وتحريضيّة صدرت عن مسؤولين ووزراء بدءًا برئيس الوزراء نتنياهو مرورًا بوزير الأمن يوآف غالانت ووزراء آخرين ونواب في البرلمان وإعلاميين ومطربين وممثّلين وناشطين في وسائل التواصل الاجتماعيّ، قرّر المدّعي العام للدولة المحامي عميت آيسمان، عدم تقديم لوائح اتّهام بحقّهم، بحجّة مرور وقت طويل على التصريحات،

وهو مبرر غير مقبول، فلو أرادت النيابة ذلك لكان لها ما أرادت، كما فعلت في تحقيقات ولوائح اتّهام قدّمتها بحق مواطنين عربًا في إسرائيل بسبب منشورات على صفحات التواصل الاجتماعيّ وأحكام بالسجن صدرت بسرعة فائقة، لكنها تأخّرت ربما لغايات في نفسها، وفوّتت الفرصة، وبالتالي فإنها خلقت حالة من شرعنة وقبول الفلتان الأمنيّ والقضائيّ وعدم تطبيق القانون، بحجج واهية منها" غليان الأعصاب"، أو الغضب الشديد على أحداث السابع من أكتوبر،

فثورة الغضب ليست مبررًا في القانون الجنائيّ لارتكاب مخالفات قانونيّة، ولا تشرعن المسّ بالمدنيّين، ولا تجعل التحريض عملًا مقبولًا، سواء كان من السياسيّين أم من فنانين حوّلوا منصّات غنائهم إلى منصّات للتحريض على حرق غزة ونسفها وقتل مواطنيها، ناهيك عن تصريحات كهذه صدرت عن سياسيّين يمكن للجنود في ساحة الحرب تفسيرها على أنها أوامر، أو تعليمات من الحكومة، أو ربما" تصريح بغضّ الطرف". ومن هناـ فسواء قبلت المستشارة القضائيّة للحكومة قرار  المدّعي العام آيسمان أم رفضته ،

فإن وصمة سيئة قد لحقت بالجهاز القضائيّ وخاصّة السؤال كيف يمكن الاعتماد على الجهاز القضائيّ الإسرائيليّ لإحقاق العدالة إذا كانت هذه قرارات كبار المسؤولين فيه، والتي تنصّ على عدم التحقيق في خروقات خطيرة من أقوال وأفعال،  وبالتالي كيف يمكن إقناع المحكمة الجنائيّة الدوليّة بعدم إصدار أوامر اعتقال بحقّ كبار المسؤولين هنا، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ووزير الأمن وغيرهم، خاصّة إذا كانت المخالفات لا تصل حتى مرحلة التحقيق فيها ، كما أوصى المدّعي العام للدولة في توصية لم تكن لترى النور لولا  الرأي السائد لدى الرأي العام الإسرائيليّ بأن كافّة المواطنين في قطاع غزة يندرجون ضمن تعريفه كإرهابيّين في نظر إسرائيل، بنسائهم وأطفالهم، وبالتالي يُسمح المسّ بهم والتحريض ضدّهم.

 


وإذا كان هناك من يعتقد أن هذه الفوضى التي يسمح بها الجهاز القضائيّ ستبقى محصورة في العلاقة بين إسرائيل وقطاع غزة والجزئيّة المتعلّقة بالحرب فهو مخطئ، فهي خطوة أخرى إضافة إلى ما كانت الحكومة الحاليّة قد  شرعت به تحت مسمّى الإصلاحات القضائيّة، أو الانقلاب الدستوريّ، وهو ما توهم البعض بأنه أوقفته مرحليًّا الحرب،

ووصل ذروته هذا الأسبوع بالصراع حول هويّة رئيس المحكمة العليا ومحاولات وزير القضاء ياريف ليفين فرض مرشّح محافظ، وتعيين قضاة تحت مُسمى "محافظين" ومن هنا فإن كل هذه العوامل تجعل الديمقراطيّة الإسرائيليّة هشّة وشكليّة قوامها ممارسات إجرائيّة، تضاف إلى ذلك مظاهر التآكل السريع للقانون وسلطته والضوابط الأخلاقيّة في عمل الشرطة والجيش والوزارات والمحاكم ،

وهو  ما يعني أن إسرائيل موجودة على مسار مليء بالمخاطر، سيؤدّي إلى هرب رؤوس الأموال وهجرة الأدمغة، ويزيد التوتّرات الداخليّة ويجعلها غير قابلة للحلّ، أي أن الأحداث والتقاطبات القضائيّة والاجتماعيّة والسياسيّة تدفع إسرائيل للتحوّل إلى دولة لا تشبه، من قريب أو بعيد، توجهات وأحلام مؤسّسيها، تسودها الخلافات والعداوات الداخليّة، وتتحوّل إلى طوائف وأحزاب وقبائل.

 


خلاصة القول: ستنتهي الحرب يومًا، وستظهر فورًا نتائجها السياسيّة والعسكريّة وتأثيراتها على الساحة الحزبيّة والجماهيريّة، وهي واضحة ستكون كذلك لكل من في رأسه عينان، وبالتالي يمكن معالجتها بسرعة وتخفيف وطأتها، لكنّ نتائجها القضائيّة والاجتماعيّة، وتلك المتعلقة بالعلاقات المجتمعيّة بين فئات المجتمع الإسرائيليّ اليهوديّ من الشرقيّين والغربيّين والعلمانيّين والمتديّنين والمستوطنين، وصولًا إلى العلاقات بين العرب واليهود. وهي تأثيرات قد تخفيها لفترة ما وحدة المصير بعد الحرب، أو ربما مشاعر الخوف والخشية والحذر لكنها تشكّل أزمات ماثلة وباقية ستتفاعل وتزداد حدّة، وبالتالي على الحكومة الاختيار بين ثلاثة أمور أوّلهما حلّ هذه الأزمات، أو إدارة هذه الأزمات بمعنى عدم حلّها وعدم تفاقمها، بل إبقائها على نار هادئة ووفق قواعد اشتباك متّفق عليها،

أو وهنا السيناريو الأخطر إدارة شؤون الدولة عبر الأزمات وبواسطتها، أي خلق أزمات متعمّدة  تحت ذرائع الحفاظ على الأمن، أو السلام أو الدفاع عن النفس، أو البحث عن المساواة والشرعيّة، ومحاربة الأخطار ورفع الظلم والتمييز، وذلك لصرف النظر عن الواقع، وإشغال الناس بقضايا جانبيّة تتيح للحكومة العمل كما تشاء دون حسيب أو رقيب. وهو حالة خطيرة تؤسّس لعدم استقرار وصدامات لا بدّ آتية، فعدم إدارة الأزمات وحلّها وعدم توجيه المجتمع والدولة، وعدم رسم أهداف واضحة هو الخطر بعينه على شكل القول الشهير  للفيلسوف الفرنسي ميشيل دي مونتين:" من لا يوجّه سفينته إلى ميناء محدّد فسوف يجد كلّ الرياح غير مواتية".

 

 

תגובות

מומלצים