الانتخابات القريبة أميركيًّا والمنتظرة إسرائيليًّا بين الترغيب والترهيب

لم تكن نقاط التقاطع بين الحلبة السياسيّة الأميركيّة ونظيرتها الإسرائيليّة قليلة، خاصّة في الأسابيع الأخيرة، وتحديدًا بعد المناظرة المتلفزة بين المرشحين، الديمقراطيّ والرئيس الحالي جو بايدن، والجمهوريّ والرئيس السابق دونالد ترامب، والتي ظهر فيها بايدن تائهًا وضعيفًا

13.07.2024 מאת: المحامي زكي كمال
الانتخابات القريبة أميركيًّا والمنتظرة إسرائيليًّا بين الترغيب والترهيب

 

بل لم تكن  في أيّ وقت مضى، ومنذ قيام دولة إسرائيل، أكثر شبهًا وتطابقًا ممّا هي عليه اليوم، حتى أن الحلبة السياسية الإسرائيليّة الداخليّة وجوانبها المتعلّقة بالحرب في غزة، باتت تبدو نسخة مشابهة إن لم تكن طبق الأصل عن تلك الأميركيّة.

 

ففي كلتا الحالتين، زعيم  أميركيّ حاليّ  تنتظره انتخابات أصبحت موعدًا ومضمونًا مؤكّدة، يطالبه كثيرون  بمن فيهم أعضاء من حزبه علنًا بتغليب المصلحة العامّة على تلك الخاصة، عبر مطالبة بايدن بالتنحّي عن الترشح لولاية ثانية، ومنح شخص غيره إمكانيّة قيادة الحزب الديمقراطيّ والبلاد، بمعنى تحمّل المسؤوليّة بعد تدنّي شعبية الحزب الديمقراطي في أوساط مختلفة خاصّة الشباب والملوّنين والمسلمين، والكفّ عن التشبّث بالكرسي الرئاسيّ،

ويهدّدونه بعدم التصويت له، أو بطرح اقتراحات لتنحيته عن موقع الترشح للانتخابات القادمة، والثاني رئيس وزراء هنا يطالبه كثيرون علنًا بتحمّل المسؤوليّة عن الحرب في غزة، وما سبقها من هجمات في السابع من أكتوبر، خاصّة وأنه هو من سمح بتمويل حركة "حماس" والتنحّي عن منصبه وتغليب المصلحة العامّة للدولة على مصلحته الشخصيّة، أي الإعلان عن انتخابات مبكّرة بدل تلك في العام 2026، وهي انتخابات يتراوح الحديث حولها بين كونها مسألة وقت ليس إلا وبين كونها ضربًا من المستحيل بالنسبة لحسابات بنيامين نتنياهو باعتبارها ستكون وفق كافّة الاستطلاعات نهاية الحكومة اليمينيّة الحاليّة والائتلاف الحاليّ،

تمامًا كما يعتبر لجنة التحقيق الرسميّة وتحمّل مسؤوليّة ما حدث في السابع من أكتوبر أمرًا من السابق لأوانه الحديث عنه حتى ولو همسًا، إضافة إلى وجه شبه آخر بين الشخصين في الحالتين، بايدن في واشنطن ونتنياهو في إسرائيل، فكلاهما زعيم ضعيف ينتظر البعض تنحيته، إضافة إلى أن الانتخابات القادمة قد تكون وربما من المؤكد ستكون نهاية مسيرتهما السياسيّة، ناهيك عن أن نتنياهو وربما بخلاف بايدن اليوم، يتعرّض للتهديد العلنيّ وربما حتى الابتزاز السياسيّ من حزبه وحكومته، كما اتّضح خلال الأيام الأخيرة عبر قانون الحاخامات، أو قانون المجالس الدينيّة البلديّة، الذي تريده حركة "شاس" اليهوديّة الشرقيّة المتديّنة، باعتباره وسيلة للسيطرة على المجالس الدينيّة المحلية، وما يعنيه ذلك من تحديد لطريقة حياة الناس وإمكانيّة إلزامها بتعاليم التوراة خاصّة في الحيّز العام، ومنع خدمات ونشاطات أيّام السبت، وغيرها من القضايا، وفوق كلّ ذلك، فإن القانون الجديد المطروح يضمن أماكن عمل، ووظائف حكوميّة ورسميّة ثابتة لرجال الدين اليهود في هذه المؤسسات حتى سنّ الخامسة والسبعين، وهو بذلك مصدر قوّة سياسي ودينيّ واقتصاديّ لحزب "شاس"، ويعارضه الوزير اليمين المتطرف إيتمار بن غفير ويشترط التصويت معه بضمه إلى المجلس الوزاريّ الأمنيّ والسياسيّ المصغَّر.أي "كابانييت " الحرب.

 


وإذا كان ذلك لا يكفي، أي إذا كان ما سبق من نقاط التقاطع بين بلدين أحدهما ينتظر انتخابات واضحة المعالم، وآخر يريد بعض أحزابه تبكيرها بسبب الوضع السياسيّ والأمنيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ المتردّي ويتمسّك آخرون برفض ذلك، رغم أن كافّة الأدلّة وخاصّة الخلاف الحاليّ بين حزب القوة اليهوديّة برئاسة إيتمار بن غفير وزير الأمن القوميّ وحزب "شاس" برئاسة أرييه درعي،

والذي أدّى إلى وقف تشريعات أرادها الائتلاف منها ما يتعلّق بالانقلاب الدستوريّ الذي أوقفته الحرب، فإن حالة البلدين اليوم تعيد إلى الواجهة أوجه الشبه والاختلاف بين القيادات الحاليّة وتلك الطامحة بالحصول على المنصب، وتحديدًا جو بايدن،  أو ربما نائب الرئيس كامالا هاريس، ومنافسه دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وبنيامين نتنياهو  كقائد واحد ووحيد واوحد لمعسكر اليمين الدينيّ والسياسيّ، ومنافسيه المحتملين الثلاثة من المركز  واليمين الرسميّ، بيني غانتس ونفتالي بينيت، والذي تشير الاستطلاعات إلى حصول حزب يقوده هو، ويشمل الوزير السابق جدعون ساعر ورئيس الموساد السابق يوسي كوهين على 32 مقعدًا برلمانيًّا ليكون بذلك الحزب الأكبر ،

وحتى يئير لبيد( سنعود إلى تعدّد الطامحين للقيادة في المركز واليمين مقابل زعيم أوحد في اليمين السياسيّ والدينيّ)، تعيد إلى الساحة الإعلاميّة والاهتمام الجماهيريّ قضية متطلّبات القيادة السياسيّة والصفات التي يجب أن يتحلّى بها القائد، ليتمكّن من قيادة بلاده بصرامة وحزم ولكن بحكمة وتروٍ، وهو ما تتّضح أهمّيته وتزيد في أوقات الأزمات، وهي كثيرة تعيشها الدولتان، فالأولى أميركا تعاني تنافرًا اجتماعيًّا وسياسيًّا وعرقيًّا غذّته سنوات حكم دونالد ترامب التي عزّزت التوجّهات اليمينيّة المتطرّفة، وحتى تلك التي تتّسم بالعنصريّة وكراهية الغير، ومحاولة إقصاء المختلفين رأيًا وفكرًا، كما تعيش حربًا هناك من يقول أنها كانت السبب في استعار نارها واستمرارها لعامين وأكثر وهي الحرب في أوكرانيا ،

خاصّة وأن مواقف الولايات المتحدة المتعنّتة والرافضة لأيّ حوار مع روسيا، أو بين روسيا وأوكرانيا حول انضمام الأخيرة إلى الاتّحاد الأوروبيّ، إضافة إلى حرب اقتصاديّة، وإن كانت هادئة مع روسيا على خلفيّة احتياجات الولايات المتحدة إلى نفط بأسعار رخيصة خلافًا لموقف روسيا والمملكة العربية السعوديّة، والثانية إسرائيل التي تعيش منذ السابع من أكتوبر حربًا لا تبدو نهايتها في الأفق رغم مرور تسعة أشهر وأكثر  على اندلاعها،

بعد هجمات أوقعت مئات القتلى واختطاف أكثر من 200 مواطن وجنديّ من الشيوخ وحتى الأطفال، وعمليّات عسكريّة إسرائيليّة في القطاع أوقعت مئات الجنود القتلى والعدد الكبير من الجرحى، وأدت إلى إخلاء نحو 200 ألف مواطن إسرائيليّ من منازلهم في الجنوب والشمال، يرافق ذلك تنافر، بل ربما عداء بين فئات سياسيّة ومجتمعيّة ودينيّة حول المواقف من الحرب وضرورة وقفها، أو الإصرار على استمرارها وحول من يتحمّل مسؤوليّة الإخفاق الاستخباراتيّ والعسكريّ والسياسيّ. وهو تنافر كان قد بدأت بذوره منذ أوائل عام 2023، مع انطلاق قطار الانقلاب الدستوريّ القضائيّ الذي أراده نتنياهو وائتلافه لتغيير تركيبة ووزن وفاعلية الجهاز القضائيّ والدستوريّ عامّة، ومحكمة العدل العليا في إسرائيل خاصّة، علمًا أن البعض اعتقد أن الحرب الحاليّة وانضمام بيني غانتس وحزبه إلى حكومة طوارئ، سيخفّف من هذا الخلاف والتنافر،

ولكن دون جدوى خاصّة بعد انسحاب غانتس واتهامه المباشر لنتنياهو بأنه يطيل أمد الحرب لأسباب سياسيّة وشخصيّة منها رغبته في إطالة أمد ومدى محاكمته بتهم تلقي الرشوة وخيانة الأمانة والثقة،  وأنه يعرقل صفقات تبادل الرهائن الإسرائيليّين للأسباب نفسها. والنقاش المذكور حول صفات القائد يتطرّق إلى العلاقة، أو المزج بين أمرين وهما الذكاء الذهنيّ، أي القدرة على تحليل الأوضاع والأمور والأحداث بشكل عقلانيّ ومتّزن، واتّخاذ القرارات دون تردّد للمصلحة العامّة وليس الشخصيّة، والذكاء العاطفيّ وهو القدرة على الإنصات للغير، وسماع مواقف وآراء المعارضين، ومن يختلفون معه في الرأي وسماع ما يمكن تسميته" نبض الشارع والجمهور".

علمًا أن هناك من الخبراء في القيادة والسياسة من يؤكّد أن معظم القادة الذين افتقروا إلى الذكاء العاطفي عبر التاريخ،  واعتمدوا فقط الذكاء الذهني في إدارة الأمور، انتهت حياتهم بكوارث، ومنهم نابليون بونابرت وأدولف هتلر وجوزيف ستالين، وربما صدام حسين ومعمر القذافي وغيرهم.

 


أميركيًّا، وعلى ضوء المناظرة التلفزيونيّة الأخيرةـ هناك من عاد وأشار إلى هذا النقص في شخصيّة دونالد ترامب، حتى أن هناك من قال إن العجز في الذكاء العاطفيّ هو الذي كلّف ترامب خسارة بعض المؤيّدين، ومنهم بعض خبراء السياسة الخارجيّة الأكثر بروزًا في حزبه وفي البلاد، وهم الذي وصفوه بأنه عاجز، أو غير راغب في فصل نفسه عن التصرّفات المسيئة والمعيبة، بمعنى أنه يعتمد سياسة الإساءة والتشهير والقذف وإطلاق التهم، ويرفض التنازل،

أو التراجع حتى لو اتّضح أنه كان على خطأ، بل إنه يغالي في مواقفه ويجعلها أكثر تشدّدًا وقسوة ليثبت للآخرين أنه قويّ، ولا يتراجع وربما ليثبت لنفسه أنه لا يخضع للضغوطات، كما أنه لا يقبل ولا يتفهّم، ولا يشجع التعدديّة  بما فيها وجهات النظر المتعارضة، بل يعتبر المعارضة عداءً والاختلاف كراهية والانتقادات محاولة للإطاحة به، بمعنى أنه "يعاني " من ذكاء عاطفيّ من الدرجة الثانية، وهذا ما يجعله غير أهل للقيادة،  ويفتقر إلى ضبط النفس ويتصرّف بتهور، وهو عاجز عن التسامح مع الانتقاد.

 

وهذا يعيد إلى الأذهان ذلك اللقاء في جورجتاون في واشنطن في آذار 1933،  بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والقاضي المتقاعد أوليفر ويندل هولمز، الذي كان قد استقال للتو من رئاسة محكمة العدل العليا الأميركيّة، والذي قال في ختامه القاضي ويندل هولمز،

جملته الشهيرة عن الرئيس روزفلت  من إنه يتمتع بذكاء ذهنيّ من الدرجة الثانية، إلا أنه يتمتع بذكاء عاطفيّ من الطراز الأول، وهو وصف  يقبله أغلب المطّلعين على السياسة الأميركيّة، خاصّة وأن  المركَّب الأهم والأكبر في النجاح السياسيّ الذي حقّقه الرئيس روزفلت، يعتمد على ذكائه العاطفيّ، وليس على قدراته التحليليّة وذكائه الذهنيّ، وذلك مقارنة مع الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، الذي عانى من ضعف الذكاء العاطفيّ عنده، وقلّل من أهمّية معارضيه ومراقبتهم لأعماله، وهذا ربما ما ورّطه في فضيحة "ووترغيت" ،

بينما كان ذكيًّا وجادًّا وتميّز برسم وصياغة السياسة الخارجيّة لبلاده، فهو أول رئيس أميركيّ زار الصين، وكان ذلك عام 1971،  لكنّه شعر دائمًا بعدم الأمان وهذا ربّما ما أدّى لتنحيته أو تحديدًا استقالته في النهاية،  وبالمقارنة كان لدى الرئيس جورج بوش الابن ما يكفي من الذكاء العاطفيّ الذي يجعله يدرك خطورة حالته، وكونه على خطأ والتراجع عن مواقف وتصرّفات خاطئة منها  تناوله للكحول، وهي مشكلة تمكّن من الإقلاع عنها، لكنّه رغم ذلك تمسّك بسياساته ومواقفه حتى وإن افتقرت إلى الشعبيّة السياسيّة وعارضتها الأغلبيّة، وباختصار فإن الجميع يتفقون على أهمّية أن يتمتّع القائد والزعيم بالذكاء العاطفيّ،

أو الإنسانيّة التي تجعله يفهم المختلفين معه، ويشعر بآلام شعبه ومعارضيه، ويرى الصورة كاملة دون التركيز المفرط، بل التام على الجانب الشخصيّ، ومفهوم "الأنا" النرجسيّ الخطير، فالقيادة وفق المصطلحات المعاصرة،  تؤكّد أن النقص في الذكاء العاطفيّ لدى القادة  هو مشكلة خطيرة، وأن نقصه يعني فقدان الانضباط، والقدرة على التعاطف مع الآخرين، وهي صفات يستخدمها القادة لاجتذاب الآخرين، عبر التمكّن من  السيطرة على الذات والتواصل مع الآخرين، بخلاف جو بايدن وقبله الرئيس الأسبق باراك أوباما، صاحب الذكاء العاطفيّ الخارق.

 


وفي إسرائيل حال لا يختلف خاصّة إزاء ما يرشح من أنباء وتسريبات، وما كان بيني غانتس وضباط كبار في الجيش قد أشاروا إليه من أن نتنياهو ، لا يريد صفقة لتبادل الرهائن انطلاقًا من ذكائه الذهنيّ الذي يجعله واثقًا من أن أيّ صفقة كهذه تعني وقف الحرب مؤقّتًا ثم نهائيًّا، ومن ثم لجنة تحقيق رسميّة تطوله توصياتها، ناهيك عن تفكّك ائتلافه إذا ما قبل بأيّ اقتراح لوقف الحرب، وبالتالي فإنه يواصل العمل وفق ذكائه الذهنيّ، أي اتخاذ القرارات من منطلقاته الخاصّة فقط، دون أيّ استعداد للقبول بوجود مواقف أخرى لأصحابها الحقّ في إطلاقها وعليه سماعها من باب تمتّعه بالذكاء العاطفيّ الذي يمكنه من التقرّب من الناس حتى المناوئين، وحيازة تأييدهم وقبولهم، حتى وإن كانوا لا يتّفقون الرأي معه,

وبالتالي تتواصل الحرب وتتواصل المواقف المتشدّدة التي تعرقل المفاوضات الرامية إلى عقد صفقة للتبادل، ويتواصل الصدام مع الولايات المتحدة ورئيسها الحاليّ الذي يبدو أن نتنياهو لا يقبل فكرة تغيير موقفه من دعم مطلق و" شيك على بياض"،  أو "كارت بلانش" في بداية الحرب إلى مطالبة بضبط النفس ووقف الحرب وقبول صفقة تبادل ،

ومن دعم عسكريّ دون حدود في بداية الحرب وتهديد ووعيد لحركة "حزب الله" في أكتوبر إلى قرارات بتأخير تزويد أسلحة معيّنة لإسرائيل إزاء ما يحدث من أعداد غير مسبوقة للضحايا الغزيّين، واتّساع الدمار الذي تلحقه قنابل أميركيّة معيّنة جرّاء استخدامها في أحياء مأهولة بالسكان، وبالتالي اعتبر هذا التغيير، أو تغيير الرأي محاولة للمسّ به وبحكومته وسياسته، وما إلى ذلك من اتّهامات كيلت للرئيس بايدن، بأنه يريد بيني غانتس رئيسًا للوزراء، وأنه يريد الإطاحة بنتنياهو، وهي أمور تنسحب أيضًا على الانقلاب الدستوريّ القضائيّ الذي تفتّق عن ذكاء نتنياهو ومؤيّديه، لضمان سيطرتهم على الجهاز القضائيّ، وبالتالي وقف محاكمته، أو إلغاء بنود لائحة الاتهام، أو بالأحرى لوائح الاتهام المرفوعة ضده، وغيرها،

والأمر ينسحب على معارضيه من حيث السعي إلى منصب رئيس الوزراء، فالذكاء العاطفيّ هو ما يقود اليمين  المتطرّف من حيث تأييده لمرشح واحد، وذلك عبر قدرة هذه الأحزاب على التحالف معًا، رغم تفاوت المواقف والآراء السياسية والاقتصاديّة وحتى الدينيّة والاجتماعيّة، بمعنى قبول الاختلاف والتعارض واحتوائه، لتحقيق هدف واحد هو الانتصار، ودحر المركز وهو ما يريده الناخبون باعتباره الموقف المجدي، حتى وإن استوجب تنازلات كبيرة، وهو عكس ما يحدث في المركز واليسار الذي تتعدّد أحزابه ويندثر بعضها مهدرًا آلاف وعشرات آلاف الأصوات ومنها حزب "ميرتس"،

وهو ما أدّى إلى بناء الاصطفاف والتحالف بين حزب العمل وحركة "ميرتس" ضمن حزب "الديمقراطييّن"، سعيًا لإعادة ترتيب ما يسمّى معسكر اليسار الصهيونيّ، وزيادة الجاهزيّة  لاحتمال تفكيك الحكومة والتوجّه إلى انتخابات مبكرة، ويكثر مرشحو المركز، أو اليمين الرسميّ  للرئاسة، من منطلق أن كلًّا منهم يعتبر نفسه الأذكى والأوفر حظًّا، ويعتبر خصومه أعداءً فيهاجمهم، ويحاول الانتقاص من قيمتهم وتحصيلهم وإنجازاتهم، وهو الحال في الأحزاب العربيّة، وأخشى أن تكون ربما هذه المرّة الأخيرة التي يتمكّن المواطنون العرب من التصويت، خاصّة إذا ما استمرت حكومة اليمين الحاليّة وسياساتها ومشاريع قوانينها التي تقرن كلّ شيء في هذه الدولة بالصهيونيّة واليهوديّة،

وتشترط الحقوق الأساسية للعرب بتأدية الواجبات في قلب للأسس الديمقراطيّة رأسًا على عقب، فهي تعتبر الخلاف في الرأي نزاعًا، واختلاف الطروحات حربًا، وطرح المواقف المختلفة والسعي إلى تأثير في البرلمان والحكومة، نوعًا من التنازل عن الثوابت وحتى الخيانة والعمالة، وبالتالي يكون الردّ المقاطعة والانفصال، بدلًا من احتواء الاختلافات، فمثلًا قبول نهج النائب الدكتور منصور عباس، الذي أراد الانتقال، أو نقل الأحزاب العربيّة من التمثيل البرلمانيّ إلى التأثير البرلمانيّ والتأثير في مواقع اتّخاذ القرار، والتحوّل من مرحلة الشعارات الغوغائيّة إلى مرحلة الأعمال والإنجازات الجديّة، فكان الردّ حربًا شعواء وتفكيك للقائمة المشتركة ما أدّى إلى خسارة 5 مقاعد في البرلمان، جرّاء عدم تجاوز التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ نسبة الحسم وحرقه نحو 120ألف صوت عربيّ،

ناهيك عن أن اليمين في إسرائيل وكذلك اليمين الأوروبيّ، كما أكّدت الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبيّ، وانتخابات فرنسا، رغم فشل أحزاب اليمين المتطرف بقيادة ماري لا بين، في الحصول على أغلبية، وكذلك دونالد ترامب، يتّبعون نظرية " إدارة الرعب"، أي استخدام طرق وأساليب تعمل على فرض الرعب والخوف في صفوف مصوتيهم وإقناعهم أو إيهامهم، أن التصويت للمرشح الآخر يعني نهاية حلم الدولة، أو الخيانة، أو نهاية أمانهم وأمنهم ويهوديّتهم، أو بيع إسرائيل للإخوان المسلمين، كما قال اليمين لمجرّد انضمام القائمة العربيّة الموحّدة إلى ائتلاف برئاسة نفتالي بينيت، وليس حتى للحكومة ، ووفق نظريّة إدارة الذعر، فإن لهذا  الموقف ومهاجمة ما فعلته حكومة بينيت تفسير واحد واضح، هو أنه شكّل تحطيمًا ونقضًا لقيمة اجتماعيّة وسياسيّة جماعيّة كبرى تتمثّل في عدم إشراك العرب في مواقع التأثير والقرار من باب منطلقات يمينيّة متأصّلة لدى الجماعات اليمينيّة وغالبية الإسرائيليّين،

تعتبر العرب غير مخلصين للدولة، وبالتالي فإن إشراك حزب عربيّ في ائتلاف يشكّل خروجًا على المتّبع والمألوف من النواحي السياسيّة والقوميّة والثقافيّة، أو الدينيّة التي توحّد  الأغلبيّة اليهوديّة وقت الأزمات. ومن هنا فتغييرها قد يفقدهم واحدة من وسائل الدفاع عن النفس أمام "فكرة النهاية" كالموت الجسديّ، أو انتهاء عهد حزب سياسيّ، أو جماعة سياسيّة، أو اتفّاق جماعيّ وجمعيّ كبير.

 


 خاتمة القول أن هناك أسبابًا كثيرة لماذا يجب إنهاء عهد الحكومة  الحاليّة ،فهي أوصلت إسرائيل إلى واقع أمنيّ واقتصاديّ وسياسيّ وعسكريّ واجتماعيّ ودستوريّ غير ممكن وغير محتمل، وبالتالي فإن استمرارها يعني استمرار تدهور الأوضاع، واستمرار الحرب وهروب المستثمرين والأدمغة، وارتفاع غلاء المعيشة واستمرار العنف المستشري،  ما يعني أنها بتركيبتها الحاليّة غير قادرة على إدارة  دفّة الأمور، بل إن جلّ ما يمكنها فعله هو العمل لمصلحة مركباتها الفئويّة دون غيرها. ومن هنا يبقى السؤال الأهمّ: هل ستسود وتنتصر سياسة الترهيب من حكومة قادمة تتنازل عن أمن إسرائيل وتوقف الحرب وتسمح بانتصار "حماس" وإقامة دولة فلسطينيّة وإهانة سمعة إسرائيل ، كما يحذّر مؤيّدو نتنياهو فور مطالبة أيّ كان بانتخابات مبكّرة، أو بتنحّي نتنياهو، أم ستنجح سياسة الترغيب بمعنى محاولة إقناع بعض أعضاء البرلمان وقوى أخرى. إن الانتخابات المبكّرة هي الخطوة الأولى لاستعادة الأمن والأمان، وخلق حكومة تعمل لمصلحة الجميع، وتدير الأمور على أفضل وجه، بمعنى هل ستكون الغلبة للمصلحة العامّة ونظريّات الإقناع والترغيب، ام لسياسة ونظريّات الخوف والترهيب؟ 

 


سؤال يبدو أن الإجابة عنه ليست بعيدة، فهي أميركيًّا في نوفمبر القريب، فهل ستسبقها إسرائيل في إجابتها أم لا، فيطول عمر الحكومة، وينتصر الخوف والتخويف؟؟  وسنعود إلى الانتخابات البرلمانيّة القادمة، والتي نأمل أن تكون قريبة جدًّا، لنضع خارطة الطريق كيف نكون كعرب في هذه البلاد قوّة سياسيّة يحملها اليمين المتطرّف واليمين الليبراليّ واليسار على محمل الجدّ، وليكون العربيّ شريكًا في اتّخاذ القرار السياسيّ والأمنيّ والداخليّ، وصاحب التأثير وليس التمثيل فقط .


 

תגובות

מומלצים