نهرُ الرّمادِ

06.03.2025 מאת: خلف الحديثي بغداد
 نهرُ الرّمادِ

 نهرُ الرّمادِ

أكلوا خوازيقَ الحياةِ وماتوا
     وتفتّتْ بيدِ الخطوبِ رُفاةُ
  
حملوا توابيتَ الرّبيعِ وسافروا
     صوبَ الفناءِ لهمْ تصيحُ نُعاةُ
  
والبردُ كلّمَ في الفراغِ جلودَهم
     ونحولهمْ وهوَتْ وراهُ رِئاتُ
  
وتكلّمَ الموتى وشاخَتْ عبرة
     وتكسّرتْ برفوفِها مِمْحاةُ
  
وعلتْ عل سقفِ الجنونِ حوادثٌ
     وتكلّمتْ بفمِ السّماءِ دُعاةُ
  
شاخَتْ ملامحُ أضلعي وتشنّجَتْ
     صورُ الهُزالِ فطالَ فيّ شتاتُ
  
وتشرذمَتْ روحي بوادي حزنِها
     وتناثرَتْ في بَوْنِها الأصواتُ
  
واليأسُ جرّتْهُ السّما لبروجِها
     لتعيدَهُ بيدِ المسا الصّلواتُ
  
والليلُ جرّحَهُ النّزوحُ وما درى
     إنّ الحفاةَ على المزابلِ باتوا
  
وتكوّرَ الوقتُ الغريبُ ببابِنا
     وتيبّسَتْ بفنائِها الآهاتُ
  
وتخاصمَتْ كلماتُنا ومشاعري
     وتنهّدَتْ برُبى الضّياعِ عُراةُ
  
فغفَتْ على نهرِ اليباسِ نواظري
     وتكوّرَتْ بعروقِها الحَدقاتُ
  
والجرْفُ أقلقَهُ صراخُ رمالِهِ
     إذ وزّعَتْهُ على الهباءِ رُعاةُ
  
وبداخلي جُدْبٌ مهيبٌ صوتُهُ
     وجوى اليبابِ تشلّهُ غيماتُ
  
أهدى شواظ النزْفِ نارَ رُفاتِهِ
     وتلفّظَتْ صرخاتِهِ الأبياتُ
  
(نورَ الهدى) بفمي مجامرُ غصّةٍ
     لا تحتوي أوجاعَها الكلماتُ
  
قومي معي بلْ شاركيني لحظتي
     فأنا وأنتِ قصيدة وفتاةُ
  
ولتعلمي رغمَ ازدهارِ مواسمي
     ما اخضرّ في وطنِ الحريقِ نَباتُ
  
أطلقْتُ في صحراءِ ذاتي حزنَها
     وتعثّرَتْ بدروبِها الخُطواتُ
  
وتشابكَتْ بدمي ضروبُ هواجسٍ
     فاعتلّتِ الأصواتُ والعبراتُ
  
خلّيكِ إحساساً يبثّ وميضَهُ
     صوْبي وتحرقُ حرفَهُ الجمرَاتُ
  
المتعبونَ تشلّهمْ أحلامُهمْ
     وتُعيدُهُم حيثُ الظلامِ جهاتُ
  
والشّاربونَ حنينَهم بجراحِهمْ
     وكؤوسُهم فيها تنامُ فتاتُ
  
واللابسونَ معَ الفناءِ جفافَهم
     وجلودُهمْ فيها استحرّ مَماتُ
  
والآكلونَ ضلوعَهمْ منْ جوعِهمْ
     وبهمْ تعيشُ معَ النّواحِ ترَاتُ
  
وطني تجافاهُ الهطولُ بهِ نما
     قحط ودجلة قدْ بكاهُ فراتُ
  
يا (نورُ) خلّيني أمارسُ ضحكتي
     وتذيعُني بفمِ الخلودِ لُغاتُ
  
عنْ أيّ شيءٍ تسألينَ صديقتي
     وتعدّدَتْ بفضائِنا الرّاياتُ
  
ماتَ الضميرُ وموطني مشبوحة
     أبوابُهُ وبهِ استقرّ غُزاةُ
  
ناموا على بُسُطِ الحريرِ وشعبُنا
     بينَ السلاسلِ تستبيهِ زناةُ
  
سيّرْتُ في نهرِ الرّمادِ مشاعري
     وعَوَتْ عليها في الرّحيلِ حُواةُ
  
وبسَطْتُ أجنحتي أُعيدُ طفولتي
     لأرى القديمَ تجرّهُ العرّباتُ
  
باتوا وقد أعمى عيونَ عقولِهمْ
     وَشلُ الضميرِ وباهَتِ السّرقاتُ
  
وجيوبُهمْ متخومةٌ وبطونُهُمْ
     نُفِخَتْ ومدّتْ حالَهمْ بقراتُ
  
بقراتُنا عجفاءُ لاشية بها
     سَرَقتْ حشيشَ بقائِها النّكراتُ
  
همْ أيقنوا أنّ الحياة لهمْ غدَتْ
     وتخارسَتْ عنْ دربِهمْ عَثراتُ
  
لكنْ وأمرُ اللهِ آتٍ وعدُهُ
     حتماً سيعصفُ ويلها الثاراتُ
  
أدري بأنّ الدّونَ مرْتَعِ ظلمِهِمْ
     بِجِبابِهِ سَتُخلّدُ السّلطاتُ
  
هذي البلادُ يتيمة رحباتُها
     ولها تُغنّي موتَها النّاياتُ
  
وتراثها أمسى تراثَ مجازرٍ
     عجلى تصدّرُ شرّهُ السّاداتُ
  
زرَعوا المفاسدَ والخلافَ وأتقنوا
     تقنينَها فتسيّدَتْ خَفِرَاتُ
  
هذا العراقُ بكلّ ما فيهِ انتهى
     ما زالَ ترفِدُ نورَهُ السّنواتُ
  
هذا الحطامُ معالمٌ أثريّة
     هدّتْ قواهُ بعسفِها الطّعناتُ
  
منها علا في الطورِ نورُ هدايةٍ
     وبهِ توضّأَ للوصولِ حُماةُ
  
هذا العراقُ عريقة أصلابُهُ
     تحميهِ منْ شرّ الخطوبِ ثِقاةُ
  
منْ أينَ تأتي المعجزاتُ وأهلُهُ
     هربوا وظلّتْ وحدها المِسْحاةُ
  
تاهوا بأصقاعِ البلادِ وأُشْبِعوا
     ذلّاً تُقيتُ جياعَها الصّدقاتُ
  
لا الطورُ أوقدَ نارَهُ ليدلّهمْ
     سبلّ النجاةِ ويُعْرفً الميقاتُ
  
أو منْ يردّ الشمْسَ حينَ تسارعَتْ
     نحوَ المغيبِ لتدحرَ الظلماتُ
  
هذا العراقُ وشهريارُ يقودُهُ
     حيثُ النهايةِ والرّماة غواةُ
  
والسّندبادُ مسافرٌ عنْ وقتِهِ
     والمبحرونَ إلى المماتِ سُعَاتُ
  
لا لم تعدْ بغدادُ مهدَ حضارةِ
     فيها غرانيقُ الغريبِ تَبَاتُ
  
فهزيمة تقتاتُنا وهزيمة
     منها تشيلُ دمارَها الحاراتُ
  
قلقٌ يُضاجِعُها وَتَخبُزُ خوفَها
     هذي اللصوصُ وتستريحُ جُباةُ
  
لم يتركوا شيئاً يعيشُ بحالِهِ
     لا الخيشَ ظلّ ولا بقَتْ غِلّاتُ
  
الفوضوية بيننا مبثوثة
     وملَتْ عيونَ المتعبينَ قذاةُ
  
والشّعبُ تسلخُهُ سياط ولاتِهِ
     وتبيعُهُ خلفَ الحدودِ جُنَاةُ
  
ودماهُ تُجبى كي تزيدَ ثراءَها
     إذ حلّلتْهُ بشرعِها القنواتُ
  
ما زالّ منْ أُحُدٍ دروسَ هدايةٍ
     مذ غادرَتْ أرضَ الثباتِ رُماةُ
  
لا ليسَ يُجديني الهتافُ بأمّةٍ
     جنحَتْ وداسَتْ عزّها النّكباتُ
  
فالصمْتُ يحشوا سمْعَها وشعورَها
     ولقدْ سَبَتْ أفلاذَها السّرُفاتُ
  
يا هذهِ هذا العراقُ وحالُهُ
     هُبَلُ يسوسُ أمورَهُ والّلاتُ
  
هذا خِطابُ الرّوحِ فاستمعي لهُ
     ما عادَ تسمعُ للصّراخِ قضاةُ
  
يا (نورُ) أينَ النورُ لسْتُ أرى
     إلّا الظلامَ تلفّهُ الرّبَواتُ
  
ولتعلمي يا أنتِ صرْتِ قصيدة
     وغداً سترويها ورايَ رُواةُ
  
صيّرتكِ امرأة تعيشُ بعالمي
     كوني معي إنّ الأحبّة ماتوا
  

 

آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها  Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108

 

תגובות

מומלצים