قال لي بأسلوب مهذب
كلمتي عن شعر حسين حمود.. نص المقدمة.
الناقد: محمد علي سعيد/ أبو علي. طمره/عكا.
قبل شهر تقريبا، زارني كعادته، صديقي الشاعر: حسين محمد حمود/ أبو ؟؟؟ برفقة صديقنا المشترك الإعلامي الشاعر: علي تيتي من البعنة وهي قرية مسقط رأسي.
وبعد السلام والكلام والسؤال عن الحال والأحوال،
قدم لي الشاعر حسين مخطوطة ديوانه الأخير، قبل تسليمه للطباعة.
قال لي بأسلوب مهذب: هذه مخطوطة ديواني الشعري ال؟؟؟، يشرفني أن تكتب له المقدمة، وأضاف مبتسما: إذا أعجبك ونال رضاك، وأعرف قساوة آرائك.
أجبته بلا تردد: أعتقد بل أجزم أنه سيعجبني؛ لأني سأقرأ شعرا وليس ؟؟؟، وذلك لأسباب عديدة، ومنها:
حسين من قرية دير الأسد، وهي قرية الشعر وخاصة الزجل، فكل شخص من هذه القرية يقول ويرتجل الأوف والعتابا والمُعنى، ويبدو لي، أن جينات سكان هذه القرية الجليلية فيها الفطرة الشعرية، وهذه نعمة حباهم بها الله تعالى.
شاعرنا حسين أصدر ديوانه الأول عام 1980، وكان في العشرين من عمره، وها هو الآن 2024، (في 64 من عمره) يصدر ديوانه هذا، وهذه الفترة الزمنية كفيلة بأن يتطور فيها شعره.
منذ زمن بعيد اتابع أشعاره في مواقع التواصل الانترنتي، أحيانا (وخاصة في موقع: جنة الحياة، للشاعرة السورية الزميلة: جوري كامل. ووشت لي هذه المتابعة بأن شاعرنا يتطور أسلوبا ومضمونا.
منذ زمن بعيد أيضا، استعار من مكتبتي بعض الكتب التي تتناول علم العَروض،(ولقد أعادها مشكورا)، ناهيك عن أسئلته واستفساراته في مجال الشعر، مما يؤكد أن الشاعر جاد في علاقته مع الشعر، ولا يكتفي بالموهبة فقط. (وحبذا لو يحذو الكثيرون من الشعراء حذوه).
كعادتي، بداية أتوقع دلالات العنوان بمركبيه: الكلامي والفني، ثم أقرأ المنجز الأدبي وهنا الديوان ثلاث مرّات: الأولى للمتعة وللانطباع العام والثانية متأنية فاحصة لتسجيل الملاحظات التعبيرية والمضمونية، والثالثة استرجاعية لكتابة المقالة المطلوبة من نقد أو مقدمة. والمقالة هنا للمقدمة، وعلية لن أتطرق الى النقد.
العنوان وهو أول ما نقرأه؛ لأنه عتبة النص الأولى، وتعتبره نظرية النقد السيميائي الحديثة من أهم النصوص المرافقة لنصوص المتن، فهو عتبة الديوان الأولى ومفتاحها التأويلي الأساس، ومنه تتشظى دلالاته في فضاء نصوص المتن/ أي القصائد.
والعنوان الكلامي للديوان، هو: "الرقص بين سيقان الموت" (لن أتطرق الى العنوان الفني/ أي لوحة الغلاف، لعدم وجودها حاليا).
يعكس هذا العنوان مفارقة فلسفية عميقة ثلاثية الأبعاد، وهي:
الرقص، وهو دلالة الفرح والطرب وبالتالي دلالة الحياة المادية والمعنوية والتمتع بها.
الموت، وهو دلالة الحزن والفراق والزوال.
سيقان الموت، وهو دلالة السقف والمظلة فوقنا وحولنا.
وقد تشي السيقان بإيحاء جنسي، وهذا الإيحاء فيه تماس مع الرقص ودلالاته.
والعمق الفلسفي في هذه الأبعاد/ الركائز المترابطة والمثرية لبعضها البعض، تخبرنا بحقيقة حياة الانسان بأنها ستبقى تحت سقف الموت مهما بلغت من طول وعرض وعمق ومتعة؛ ولهذا على الانسان أن يتمتع بها ويحسن العيش فيها، مهما بلغت من قساوتها، فالموت نهايتها، وكما قال الشاعر: ويرقص الطير مذبوحا من الألم.
بعد قراءة الديوان، وجدت أن دلالات العنوان تتشظى في القصائد بالتصريح أو بالتلميح، وفيه يتطرق الشاعر الى العديد من المواضيع، ويمكن تقسيم أكثرها الى مجالين شموليين أساسيين وهما:
هموم الحياة الاجتماعية بجوانبها الانسانية العديدة، عامة والذاتية خاصة.
هموم شعبه الفلسطيني الوطنية من آمال وآلام.
وفي الحالتين يكون الشاعر واعضا ناصحا، كقوله: فخذ بقولي فإن النصح مقبول. أو معبرا عن موقفه كقوله: ما زادهم عن أتان الجحش تفضيل.
بعد قراءة الديوان، وجدت أن القصائد مكتوبة بحسب المبنى/ الهيكل التقليدي، أي الخليلي، مما يدل على أن شاعرنا يجيد الأوزان الشعرية، وينظم بحسبها.
بعد قراءة الديوان، وجدت أن شاعرنا يستخدم غالبا، المفردات اللغوية السهلة المألوفة، ويبتعد عن المفردات الصعبة، ناهيك عن مبنى الجمل والتراكيب الشعرية المباشرة أو الضبابية الموحية، ويبتعد عن التراكيب الغامضة المعتمة والتشابيه الغريبة المركبة، والسبب هو رغبة الشاعر في إيصال رسالته الى الناس عامة، وذلك رغبة منه في المساهمة في إصلاح مجتمعه والسير به نحو الأفضل والأجمل.
ويذكرني هذا الوضوح بما قاله الشاعر الكبير والفلسطيني الأصل (من مواليد بلدة سمخ قضاء طبريا، يقيم في مصر حاليا)
قالوا الغموض فقلت عكس مزاجي ..... لا تفسدوا الحسناء بالماكياج
إني أحب الشعر نورا ساطعا ...... متألفا كسراجنا الوهاج
بعد قراءة الديوان، وجدت للعديد من الأبيات الشعرية أو أحد طرفي البيت (الصدر، العجُز) ميزة قلما تجدها لدى الكثيرين من الشعراء، وهي استقلالية تامة في مبناها المُحكم وفي معناها الإنساني العميق؛ بحيث تصلح لهذه الاستقلالية، لتكون حكمة حياتية مستقلة، قابلة للتداول بها بين الناس وللاستشهاد بها، دون علاقة بالقصيدة التي احتوت نصها.
بعد قراءة النص، وجدت أن أشعاره الغزلية عذرية أو قريبة منها، وبعيدة عن الغزل الشبقي المحسوس. أنظر قصيدته: الآه بلسم وكقوله: العشق يُخفي نزوة الشهوات ص، إن الغرام بثوبه متسامي
بعد قراءة الديوان، وجدت العديد من عناصر التشويق مثل: التراكيب المبتكرة، التناص، ثنائيات الترادف أو التضاد، التثليث، التطريز اللغوي كما في قصيدتيه: الصوم/ نبي الهدى، أمل حياتي، التضمين كاستمرار المعنى والمبنى في البيت الذي يليه، التكرار، وغير ذلك.
بعد قراءة الديوان، شعرت بالمتعة والرضا، لأنني قرأت شعرا غنائيا جميلا، ولم يضع وقتى سدى، وأرى لزاما عليّ أن أهنئ صديقي الشاعر حسين على ديوانه هذا والذي يستحق القراءة والتقدير والمكان والمكانة في المكتبة العربية.
أقول يستحق القراءة؛ لأن الحركة الأدبية المحلية عامة، تعيش حالة من الطوفان الكمي وليس الكيفي، مما جعلني أطلق عليها " حالة من الاسهال الأدبي عامة وفي أدب الأطفال خاصة؛ لأن الأخير أصبح هدفه التجارة قبل المسؤولية الوطنية في تهذيب وبناء شخصية الأطفال"، وفي مثل هذه الحالة جاء ديوان الشاعر حسين حمود من حالات الاستثناء، وهي قليلة.
آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108