رحل الذين نحبهم وبقي الذين نحبهم...

15.12.2024 מאת: محمد علي سعيد طمره
رحل الذين نحبهم وبقي الذين نحبهم...

 

كلمة وفاء في رثاء الصديق المربي: أحمد نايف الحاج/ أبو نزار- كفر ياسيف.

رحل الذين نحبهم وبقي الذين نحبهم...


هاتفني صديقي الكاتب: زياد شليوط، ليخبرني بوفاة معلمي وزميلي وصديقي المربي الوطني: أحمد نايف الحاج.. صدمني الخبر وشلّ تفكيري وغسلني الحزن كثيرا، وكذلك الندم، لأننا اتفقنا (أنا وزياد) أن نزوره مرة أخرى ونوثق لقاءنا معه (ونبارك لصديقنا ابنه المربي: إياد بالدكتوراه)؛ وذلك ضمن مبادرتنا في زيارة أعلامنا الأدبية ممن تجاوزوا الثمانين من أعمارهم، وحالت ظروف الحرب العبثية التي تعيشها البلاد دون تحقيق ذلك. 

 

 

تعود معرفتي بالمرحوم الى نهاية سنوات السبعينات في المرحلة الثانوية في مدرسة "يني يني" في كفر ياسيف (وأنا أعتز كثيرا، أني من خريجي هذه الثانوية العلم في رأس الجبل، وما زالت تربطني علاقات طيبة جدا مع أصدقائي من هذا البلد الطيب)، كما وأعتز كثيرا أني تعلمت اللغة العبرية على يدي المربي الوطني والمعلم المهني: أحمد الحاج (وفي السياق، العربية على يد الأستاذ: مطانس مطانس، رحمه الله من أبو سنان، والتاريخ على يد الأستاذ: بطرس دله أطال الله في عمره، والرياضيات على يد الأستاذ: جريس خوري من أبو سنان...).
في تلك الفترة كان اسم المعلم بأل التعريف يسبق صاحبه انتشارا في المنطقة كلها، وسقى الله تلك الأيام الجميلة والجادة والجيدة، وما أن تذكر اسم مدرسة ثانوية (الرامة، عكا، الناصرة) إلا وتداعت أسماء أعلامها من المعلمين الجيدين والجادين والمهنيين.

 

 

كان للمرحوم هيبة حضور مميزة بالحسم والحزم، فجميع الطلاب يحسبون له ألف حساب، فإذا كان واقفا أو متجولا في الساحة، كان الهدوء والنظام والسلوك المتزن يسيطر على جميع الطلاب رهبة واحتراما، وسقى الله تلك الأيام: أيام احترام المعلم و(كاد ألمعلم أن يكون رسولا) واحترام القيم الأخلاقية والعرفية في السلوك الاجتماعي. 

 

 

ومما أذكره في المرحلة الثانوية (وكثيرة هي ذكرياتي) يوم استدعاني مدير المدرسة المرحوم: عوزي لويا الى غرفته وكان فيها بعض المعلمين ومنهم المرحوم المربي: أحمد الحاج، واستفسروا مني وباستغراب عدم تسجيلي للالتحاق بالفرع العلمي، وكان جوابي، أني أحب أن أصبح معلما وكاتبا ولا أحب أن أصبح طبيبا أو مهندسا وغير ذلك.. ابتسم الجميع غير مرتاحين لجوابي بما فيهم المرحوم، وبعد العديد العديد من السنوات زرته برفقة معلمي وصديقي الناقد د. بطرس دله لنبارك له بصدور ديوانه الأول. 
 

 

استحضرنا الكثير من ذكريات المرحلة الثانوية، وأثنى عليّ وعلى سمعتي في التعليم وفي الأدب، فقلت له مداعبا: وها أنت أدركتك حرفة الأدب ولكن على كبر.  

 

 

ومما أذكره أيضا يوم دخل الصف وكنا في امتحان، وطلب منا العودة الى بيوتنا بسبب اندلاع حرب ال 1967.
 

 

كان المرحوم مربيا وطنيا صادقا في سلوكه ومواقفه، أخلص في تعليمه وعندما خرج الى التقاعد التحم بأرضه أكثر وأكثر. وأذكر أني اشتريت من عنده تنكة زيت (لأن أمثاله لا يغشون)، وعندما عرف أني أشتريها لأتبرع بها لعائلة في الضفة، رفض بشدة أن يأخذ ثمنها.
 

 

وإن أنسى فلا أنسى حضوره يوم وفاة ابني الوحيد المربي: علي.. حضر رغم عمره متوكئا على عكازة خشبية وعكازة بشرية هي ابنه إياد. جلس الى جانبي واحتضنني وواساني بكلماته الطيبة وارتجل كلمة في بيت العزاء.

 

 

كان المرحوم وقبل كل شيء انسانا وطنيا متواضعا ومثقفا موسوعيا في اللغة والتراث والاجتماعيات، وشاعرا ملهما، وكان لمّاحا ذكيا حسن المعشر لا تمل الجلوس إليه والاستفادة من تجربته الحياتية الغنية وثقافته المعرفية الشمولية.
 

 

قال رائد علم الاجتماع المؤرخ الباحث: ابن خلدون: ... من صفات المعلم الجيد أن يكون محبوبا، خادما لمجتمعه ومجتهدا في طلب العلم. 
 

 

ولقد كان المرحوم كذلك في تعليمه كان معلما للحياة ولن تنطفئ شمعة المرحوم لأنها مستمرة في ضوء مئات الشمعات في أسرته وطلابه.                              
 

 

 وقال شاعر: ما مات مَن هذّب الأجيالَ رائده  حبّ الجميع وبذل النفس للبلد 

 

لقد اجتمعت فيك العديد من الصفات المتميزة والتي من الصعب أن تجتمع في شخص واحد. لقد رحلت أيها المربي الفاضل وأنت معلم الأجيال والمعلم للحياة، حقا (1958 – 1996.)، اختارك رب الأرض والسماء فلبيت النداء بأجلك المكتوب والمحتوم (يوم السبت 9- 11- 2024) ولكن ذكراك ستبقى وتدوم، فإن غبت عن الجميع جسدا ولم نعد نراك بعين البصر؛ فإنك ستبقى بيننا أهلا وأصدقاء وطلابا أبدا ونراك بعين البصيرة وهي الأبقى والأنقى والأتقى. 

 

 

رحيلك أيها العلم، خسارة فادحة لأسرتك ولأهلك ولبلدك ولمجتمعك ولطلابك، ويبقى عزاؤنا فيمن تركت من زوجة فاضلة وأبناء بررة (تربطني علاقة صداقة طيبة وقوية مع الابن: د. إياد) وعلم نافع أورثه للأجيال. 
 

 

فطوبى لك فقد طال عمرك وحسن عملك، وما هذا إلا عمرك الثاني.
 

 

أيها الغائب عنا والأكثر حضورا بيننا... رحمك الله وطيب ثراك وجعل الجنة مثواك، وباقية هي ذكراك.. لك الرحمة وفسيح الجنان ولأسرتك ومحبيك جميل الصبر وحسن العزاء والسلوان.
 

آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها  Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108

 

תגובות

מומלצים