جورج صاند.. العربية
جورج صاند.. العربية
قضت الكاتبة الفرنسية ذائعة السمعة والصيت جورج صاند- اسمها الحقيقي اورو دوبان-، (1804- 1876)، سحابة عمرها متنقلة من مغامرة غرامية الى مغامرة ابداعية دلت، فيما دلت عليه، على نبوغ لازمها في معظم ما انتجته وخلفته وراءها من انتاج ادبي ما زال العالم يقرأه ويستمتع به حتى هذه الايام، رغم مضي ردح غير قليل من الزمن على انتشاره.
علما ان هذه الكاتبة الفذة تركت وراءها اكثر من ستين رواية تعتبر من عيون الادب الفرنسي، واكثر من عشرين مسرحية شهد لها معظم رجالات عصرها وأدبائه، اضافة الى عدد لا بأس به من المؤلفات النثرية اللافتة.
حظيت هذه الكاتبة بالاهتمام والعناية الشديدة من معاصريها وبينهم خالد الذكر الكاتب الفرنسي فيكتور هيجو الذي يعتبر من اعمدة الادب الفرنسي الراسخة، كما حظيت باهتمام اخر لا يقل اهمية من معاصرينا، لعل ابرزهم الكاتب الفرنسي الحقيقي، والحقيق بالاحترام والتقدير، اندري موروا، فقد قضى هذا الكاتب عددا من الاعوام في تأليف كتاب عنها حمله اسم احدى رواياتها، "ليليا او جورج صاند"، وصدر عام 1951، اما في ادبنا العربي فقد حظيت جورج صاند باهتمام مماثل لذاك الذي حظيت به في بلادها، وقد وضعت عنها الاديبة السورية البارزة سلمى الحفار الكزبري، كتابا حمل عنوان" جورج صاند- حب ونبوغ"، وقد اتيحت لي مؤخرا قراءة هذا الكتاب الممتع واقترح بدوري على محبي الكتاب والقراءة في لغتي العربية قراءته، لما ضمه من تصوير دقيق لإنسانة مغرمة ومتميزة.. وعصر مار بالأحداث العظام.
تفتتح المؤلفة كتابها بالحديث عن طفولة جورج صاند المعذبة، كون جدتها لم تقبل امها زوجة لابنها لأنها من عامة الشعب، وتسهب في معاناتها في سنوات الطفولة واليفاعة، بعدها تتطرق الى حياتها الزوجية التي قامت على عدم التكافؤ، ففي حين هي تتعشق الموسيقى يدير زوجها- كوزيمير- ظهره لها ولا يود الاستماع اليها، وفي حين هي تهتم لكل صغيرة وكبيرة تقع في بلادها ومنطقتها، فان زوجها لا يرى الى ابعد من انفه ولا تهمه سوى اموره الصغيرة..وفي ظل حياة مثل هذه تجد جورج صاند نفسها تبتعد عن زوجها وتتأبي عليه في فراش الزوجية لتتخذ لها عشيقا ستستمد من اسمه فيما بعد اسمها الذي ستشتهر به، جورج صاند، اما عن اختيارها لهذا الاسم تقول المؤلفة انها ابتدعته واختارته لسببين وجيهين احدهما استياء ذويها منها لاحترافها الادب، والآخر انها وجدت في انتحالها اسم رجل انتصارا اكيدا في عالم الفكر والادب الذي يستهين بنبوغ النساء- كما تقول.
تتوقف مؤلفة الكتاب كما شددت في عنوانه، عند نقطتين هما الحب الذي جرت جورج صاند وراءه طوال ايام حياتها، والادب الذي نبغت فيه وقدمت بالتالي آيات بينات لا تقل قيمتها عما قدمه عمداء الادب الفرنسي في زمنها العامر بالعطاء، في النقطة الاولى، تؤكد المؤلفة ان جورج صاند لم تقم علاقتين في ان واحد، وهو ما يدل على انها كانت تبحث عن نفسها في اطار من الحرية رسمته لنفسها، ولم تكن متهتكة باي من الاحوال كما راى فيها خصومها، وتتوقف المؤلفة عند العلاقتين الكبريين في حياة جورج صاند بكل من الشاعر الفريد دي موسيه، الذي احبته بجنون ورافقته الى البندقية لتقضي الى جانبه فترة من اروع فترات حياتها المديدة- عاش 72 عاما، والموسيقي الخالد شوبان، وهناك في الكتاب صفحات مثيرة للاسى تصور فيها المؤلفة انتهاء كل من هاتين العلاقتين بخيبة امل تتلوها اخرى، وفراق ما بعده لقاء.
وفيما يتعلق بالعلاقة بالفريد دي موسيه، فإنها تضع كتابا عنه بعد وفاته يثير عليها اهله وعددا من كتاب عصرها، اما فيما يتعلق بشوبان الذي رعته برمش العين عند اصابته بالنزلة الصدرية خلال رحلتها برفقته الى ميورقة، فانه ينقلب عليها لينضم الى مبغضيها من ذويها، خاصة ابنتها صولانج.
فيما يتعلق بالنقطة الثانية النبوغ تتحدث المؤلفة عن علاقة جورج صاند برجالات عصرها وأدبائه، امثال بلزاك وفلوبير وتورجنيف، وعن استضافتها لهم في قصرها. كما تتحدث عن نجاحاتها المتتالية في مجال التأليف الروائي والمسرحي، وتبدع في الحديث عن الجانب السياسي الابداعي في حياة صاند وفي كتاباتها السياسية التي حظيت باهتمام كبير، لما اتصفت به من شجاعة في القول وجراة في الفكر.
يقول هذا الكتاب الذي اعتقد ان مؤلفته اعتمدت اعتمادا شبه كلي في تأليفها له، على كتاب اندري موروا المشار اليه آنفا، ان حياة صاند لم تكن هينة لينة وانها عانت كثيرا، وفي هذا المجال تتوقف مؤلفته سلمى الحفار الكزبري عند صفحات معتمة في حياة جوج صاند، تتصف بالمعاناة سواء كان فيما يتعلق بحبها الصادق، او بالخلافات على الاملاك والتوريث.
الح علي طوال قراءتي لهذا الكتاب الذي اصدرته صاحبته عن دار نوفل في بيروت، عام 1979، وأتيحت لي قراءته مؤخرا، بعد توفر نسخة منه بين يدي،.. دار هذا السؤال حول سبب تأليف صاحبته له، وكنت كلما اوغلت في قراءته تأكد لي احساس بانه اراد ان يؤكد على قدرة المرأة في النبوغ والابداع، كما اراد ان يؤكد على الامكانيات التي يمكن ان تتمتع بها المرأة العربية اسوة باختها الفرنسية، وقد اكد احساسي هذا وضع صاحبته بعد سنوات من صدوره كتابا عن مي زيادة حمل عنوان " مي زيادة- المأساة والنبوغ".
لقد ابدعت سلمى الحفار الكزبري في كتابها هذا وفي كتاباتها عامة ايما ابداع، وكتبت بلغة رصينة ثرية وغنية، لهذا اقترح، مرة اخرى، على من يبحث عن كتاب رائع.. ان يقرا هذا الكتاب، رحم الله مؤلفته، فقد رحلت عن دنيانا عام 2006، بعد حياة عامرة بالعطاء.. الحب والنبوغ.
آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108