ما بين التضليل باسم الجهاد وأرض الواقع

تشكّل الإدارة السوريّة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، حالة مثيرة للتساؤلات، رغم أنها أتمّت قبل يومين فقط الشهر الأوّل من عمرها، وربما تثير علامات الاستغراب والاستهجان، حتى يمكن القول إنه شتّان ما بين الثامن من كانون الأول 2024 والثالث من كانون الثاني 2025

11.01.2025 מאת: المحامي زكي كمال
ما بين التضليل باسم الجهاد وأرض الواقع

 

وهو ما أكّدته ملابسات وظروف اللقاء الذي جمع  يوم الجمعة الثالث من يناير، في قصر الشعب في دمشق، أحمد الشرع ( أبو محمد الجولاني) القائد الجديد بوزيرة الخارجيّة الألمانيّة أنالينا بيربوك ونظيرها الفرنسي جان نويل بارو، والتي ظهر فيها الجولاني يرتدي الزيّ الرسميّ وفق الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسيّة يستقبل الوزيرين ، اللذين تشكّل زيارتهما  القطرة الأولى من غيث الاعتراف والصفح والمسامحة ورفع العقوبات الأوروبيّة وبعدها الأميركيّة عن سوريا،  والتي  وصلت هذا الأسبوع حدّ رفع عقوبات المتاجرة المتعلّقة بالنفط والغاز والسماح بتحويل الأموال من حسابات شخصيّة في أميركا إلى سوريا بالتنسيق مع البنك المركزيّ السوريّ وغيرها،

 

كما أنه شتّان ما بين الثامن من ديسمبر والثالث من يناير، على الصعيد الشخصيّ لرئيسها الجديد الشرع، الذي تحوّل خلال شهر واحد في نظر العالم كلّه تقريبًا بسياسيّيه واقتصاديّيه وإعلامه، بين ثلاث محطات، أو مراحل، فتحوّل من  إرهابيّ كقائد لجبهة النصرة التي اتهمتها الدول الأوروبيّة وأميركا بقتل المدنيّين الأبرياء إلى قائد لانقلاب، أو ثورة ضدّ نظام بشار الأشد لم تتّضح معالم شخصيّته ونواياه،  ومن ثمّ إلى زعيم شرعيّ تبني عليه دول العالم بمساعدة واسعة، بل تجنّد تامّ من قبل وسائل الإعلام التي تسابقت إلى إجراء لقاءات معه، ليُفْتَنَ بسهولة اللقاء وعدم وجود حراسة مكثّفة، أو تفتيش أمنيّ دقيق،

 

بينما استغرب البعض الآخر سيل التصريحات السلميّة والمعتدلة من الشرع، في حين ذهب آخرون إلى اعتباره بداية عهد جديد من الإسلام الوسطيّ الليبراليّ  القريب من الديمقراطيّة بعيدًا عن التشدّد والإرهاب والإكراه، بينما التفت قلائل إلى لحظة واحدة خلال زيارة وزيري الخارجيّة سابقة الذكر، وهي امتناعه عن مصافحة وزيرة الخارجيّة الألمانيّة، خلافًا للبروتوكولات نفسها التي التزم بها من حيث مظهره، وربما ظاهريًّا كما يقول البعض فالباطن لم يتغيّر، وهي ثلاث مراحل تعيد إلى الأذهان مراحل مشابهة عاشها الجولاني ، حينما أعلن عام 2011، عن  تأسيس "جبهة النصرة" التي أعلنت الولاء لتنظيم القاعدة، والذي صنّفته الولايات المتحدة "إرهابيًّا"، وقالت إن تنظيم "القاعدة" في العراق كلّفه الإطاحة  بنظام حكم الأسد وفرض الشريعة الإسلاميّة في سوريا،

 

علمًا أن أول مقابلة إعلاميّة له، انفردت بها قناة "الجزيرة" عام 2013 ويبدو أن ذلك ليس صدفة كما سيتضح لاحقًا، وظهر خلالها متخفّيًا، دون أن يكشف عن وجهه بل غطّاه بلثام، واستمرّ الحال على هذا المنوال حتى العام 2016، حيث  كان اللقاء الثاني وظهر خلاله بالعباءة التقليديّة، مكشوف الوجه، وألقى خطابًا من مكان غير معلوم، للإعلان عن فكّ ارتباطه بالقاعدة، وصولًا إلى العام 2021، حيث ظهر الجولاني على محطة "سي.ان.ان"، وتحديدًا برنامج "فرونت لاين" مرتديًا زيًّا على الطريقة الغربيّة، ووصف تصنيفه إرهابيًّا بأنه "غير عادل"، وختامها لقاء مع "سي إن .إن" سبقت بيوم واحد  وصوله إلى دمشق أوائل كانون الأول 2024 ، قالت إنها جرت خلال ساعات النهار، وأنه أظهر خلالها الثقة، وحاول أن يبرز إيمانه بالليبراليّة والحداثة، متمّمًا بذلك انتقاله من إرهابيّ في عرف أميركا وإعلامها بما فيه سي.إن.إن ، إلى منادٍ شرعيّ بالحديث وقائد شرعيّ تتسابق القناة للقائه،

 

أو ربما كما يقول آخرون، إنه انتقل إلى مرحلة جديدة بعد أن تمّمت وسائل الإعلام شرعنته إعلاميًّا كمقدّمة لشرعنته سياسيًّا، أو بكلمات ربما أقلّ دبلوماسيّة، بعد أن أنهت وسائل الإعلام ودولها، تلميعه إعلاميًّا  وشرعنته سياسيًّا ، ومنها "الجزيرة"، وهي ممثّلة لدولة قطر وسياساتها وأجنداتها، التي التقته بتاريخ 13.12.2024 ، في لقاء تمّ فيه إجمال مسيرته من جبهة النصرة إلى القصر الرئاسيّ، وتلا ذلك لقاءات تلفزيونيّة أخرى أجرتها " الجزيرة" مع خبراء ومسؤولين في مراكز أبحاث  تعمل في الدوحة تموّلها قطر مباشرة، وبالتالي تنطق بلسانها، كانت أقوالهم مطابقة تمامًا للمراحل الثلاث التي ذكرت سابقًا، من حيث التحول السياسيّ للجولاني سنعود إليها .

 

ما سبق يعيد إلى الأذهان أمرين أولهما السؤال، حول التناسق بين المواقف السياسيّة للحكومات والطروحات، أو الاهتمامات الإعلاميّة لوسائل الإعلام الرسميّ والمستقلّ في الدول  الليبراليّة، أو الديمقراطيّة، وبشكل أدقّ دور القنوات الرسميّة والحكوميّة في الدول غير الديمقراطيّة ، في تنفيذ وترويج أجندات حكوماتها السياسيّة والعقائديّة والدينيّة وغيرها. وهو سؤال يثار بشكل خاصّ منذ اندلاع أحداث الربيع العربيّ، والحديث عن دور قناة" الجزيرة" فيه من حيث دعمها للتيارات الإسلاميّة المنتمية، أو القريبة من الإخوان المسلمين، سواء كان ذلك في مصر أو تونس، أو  مناطق السلطة الفلسطينيّة غيرها، وهو دور أثار غضب الحكومات، ودعا بعضها إلى إغلاق مكاتب "الجزيرة" كانت أولها مصر ثمّ دول الخليج بعد إعلان حصار قطر عام 2017وآخرها السلطة الفلسطينيّة، وإسرائيل بين هذه وذاك، وهذا ما سنعود إليه أيضًا، 

 

لكنه يعيد إلى الأذهان مقارنة بمحطات أبو محمد الجولاني، واعتدال خطابه السياسيّ وتلميعه إعلاميًّا، قضية أو حالة مشابهة تمامًا هي حالة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسيّ لحركة "حماس" الذي انتقل من عمان  إلى قطر عام 1999 وبقي فيها حتى العام 2001، ثم انتقل إلى العاصمة السوريّة دمشق ، ليعود إلى الدوحة عام 2012 مع  قيادات حركة "حماس"، وتزامن ذلك مع محاولات دعمه وإبرازه وتسويقه وتلميعه إعلاميًّا عبر قناة" الجزيرة" أملًا بتسويقه بعد ذلك سياسيًّا وربما طمعًا بعودته إلى مراكز القيادة خاصّة بعد استيلاء وسيطرة "حماس" على قطاع غزة عام 2007،

 

وليس ذلك فقط، بل محاولة تجنيد الدعم العربيّ له، وهو ما يؤكّد الجميع أنه كان أحد أهداف زيارة ولي عهد قطر تميم بن حمد آل ثاني عام 2012، إلى عمان والتي التقى خلالها الملك عبد الله الثاني،  رئيس المكتب السياسيّ لحركة المقاومة الإسلاميّة "حماس" خالد مشعل الذي يزور المملكة رسميًّا للمرة الأولى منذ 12 عاما بناء على وساطة قطريّة، وضمن مساعٍ قطريّة تهدف إلى دعم مشعل تتزامن مع مساعٍ قطريّة إعلاميّة  عبر " الجزيرة" ومن مراكز أبحاث ودراسات  في مقدّمتها مركز الدوحة للدراسات والذي يرأسه عضو الكنيست الإسرائيلي( البرلمان) السابق عزمي بشارة، لإضفاء صفة الاعتدال على خالد مشعل وخطابه، علمًا أن هذه المساعي من قبل قطر شملت أيضًا  ترتيب زيارة خالد مشعل إلى القطاع عام 2012، تزامنًا مع زيارة أمير قطر السابق، حمد بن ثاني إلى غزة، والتي كانت أهدافها إضافة إلى تقديم مئات ملايين الدولارات لإعادة الإعمار في القطاع، دعم خالد مشعل  في المنافسة على رئاسة المكتب السياسيّ لحركة "حماس"  وذلك كجزء من مساعي حركة" الإخوان المسلمين" في كل من قطر وتركيا ومصر والأردن ،بأن يبقى خالد مشعل هو الرئيس للمكتب السياسيّ لحركة "حماس" ، وهو موقف يتماشى مع مواقف قيادة "حماس" في الضفة الغربيّة  والخارج ، والمؤيّد لخالد مشعل أو صالح العاروري ، وذلك خلافًا لموقف  قيادات "حماس" في قطاع غزة التي أرادت في هذا  المنصب شخصيّة محسوبة على غزة، وربما موسى أبو مرزوق، أو إسماعيل هنية.

 

في هذا السياق، لعبت "الجزيرة" دورًا إعلاميًّا واضحًا ومعها المركز العربيّ للأبحاث والدراسات برئاسة النائب  السابق في الكنيست د. عزمي بشارة الذي غادر إسرائيل عام 2007 بعد شبهات بالقيام بأعمال عير قانونيّة، منها مساعدة حزب الله في حرب لبنان عام 2006، وذلك كما جاء في دراسة للباحثة الدكتورة رونيت مرزان من جامعة حيفا، بعنوان "دُمى قطر وتركيا"،  تطرّقت إلى دوره في مساعي قطر دعم التوجهات الإسلاميّة المعتدلة خدمةً لأهدافها المماثلة لأهداف تركيا، ومنها دعم خالد مشعل في مساعيه لقيادة حركة "حماس"، عبر نشاطات هدفت إلى وصفه بالمعتدل، أو إرشاده إلى الاعتدال خطابيًّا وروايةً وإعلاميًّا  بمشاركة الشيخ يوسف القرضاوي   واضع مفاهيم" الوسطيّة" في الإسلام،  حيث جاء في البحث أن بشارة والقرضاوي أرشدا خالد مشعل إلى كيفية محاورة الغرب بالتي هي أحسن، واستبدال عبارات وشعارات معيّنة بأخرى أكثر قبولًا واعتدالًا، منها التصريح بأن الشعب الفلسطينيّ وحركة "حماس" يخوضون صراعًا ضد " الاستعمار الصهيونيّ"  ونظام الأبارتهايد الإسرائيليّ،

 

رافق ذلك شبكة من المؤثّرين على وسائل التواصل الاجتماعيّ  ردّدوا نفس النهج، وكرّسوا شرعية المقاومة الفلسطينيّة المسلّحة في مقاومة "الاستعمار الصهيونيّ"، تكريسًا لمساعي قطر التحوّل إلى لاعب مؤثّر في الشرق الأوسط، رغم كونها دولة صغيرة المساحة وقليلة التعداد السكانيّ، وذلك عبر ممارسة  الدور الدينيّ والتماهي مع أجندة جماعة «الإخوان» واستضافة قادتها وإبراز هم كمعتدلين في توجّهاتهم السياسيّة، مستعينة بالدور الإعلاميّ لقناة «الجزيرة» وتلميعها  شخصيّات وتوجّهات معينة ومعاداة، أو معارضة توجهات جماعات ودول ، وممارسة دور الدولة الداعمة للمضطهدين والمطالبين بالحقوق والحريّات، وممارسة الدور الثقافيّ عبر  دعم مؤسّسات ومعاهد الأبحاث والجامعات الأميركيّة والأوروبيّة بمئات ملايين الدولارات، واستضافة واحتضان  الكتاب والمثقفين العرب، ومنهم  عزمي بشارة ووضّاح خنفر  وبرهان غليون المعار ض السوريّ المقيم في تركيا وأحمد منصور  وغيرهم

 

وتأسيس كليّات وجامعات ومؤسّسات بحثيّة ودراسيّة، يسعى حكام قطر من خلال ذلك إلى  تعزيز دورهم الإقليميّ ، عبر علاقات مع الشيخ يوسف القرضاوي، عزمي بشارة وخالد مشعل.  كان دور القرضاوي فيها منح الفتوى الشرعيّة الدينيّة لإسقاط الأنظمة الاستبداديّة العربيّة ودور عزمي بشارة، عضو الكنيست السابق إشعال وتأجيج مشاعر الشباب في تونس، مصر، سوريا وليبيا وتشجّيعهم على خطاب الثورة. ودعم خالد مشعل، رئيس المكتب السياسيّ لحركة "حماس" الذي ابتعد عن إيران وسوريا و"حزب الله" وانضمّ إلى قطر، منتقّلًا من النضال المسلّح إلى الكفاح السياسيّ، والهدف عمليًّا تحقيق أهداف يمكن تلخيصها في بناء جيل جديد من المثقّفين العرب ومنهم أبو محمد الجولاني، لقيادة الأنظمة الجديدة، بعد "الربيع العربيّ" يمزجون بين العروبة والإسلام والليبراليّة، ويعملون على نزع الشرعيّة عن الاحتلال الإسرائيليّ للضفة الغربيّة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة، وتعزيز الشعور بعدم الخضوع للغرب.

 

هذه التوجّهات والتصرّفات كانت واضحة وجليّة للعالم، لكن المصالح تحكم هنا أيضًا فالولايات المتحدة والدول الأوروبيّة والتي تتشدق بمعاداة التطرّف الدينيّ وفرض عقوبات على دول ومؤسّسات تدعم المنظّمات الإرهابيّة، تعتمد مع قطر سياسة مغايرة، وتكتفي بالحديث وعدم دعم أقوالها بأفعال. فهي تطالب الدوحة بالتوقّف عن دعم الإرهاب وتمويله، لكن قطر تلتف، بموافقة أميركا وأوروبا، على ذلك من خلال الاستثمار في الأسواق الغربيّة وقبول وجود  قواعد عسكريّة أجنبيّة وفي مقدمتها قاعدة " العديد" الأميركيّة،  ناهيك عن مواصلة الدوحة ضخّ الأموال في مراكز الأبحاث والجامعات الأميركيّة وسط غض النظر أميركيًّا وأوروبيًّا عن دور  "الجزيرة" خاصة باللغة الإنجليزيّة والتي تحظى بنسب مشاهدة كبيرة للغاية، مع الإشارة هنا  إلى أن المصالحة عام 2021 بين قطر ودول الخليج الأخرى إضافة إلى مصر، والتي أنهت مقاطعتها منذ 2017، لم تنه محاولات قطر  ومعها "الجزيرة"، دعم مشعل ومواصلة "تعديله" أو مساعي اعتداله، عبر تعاون أو اتفاق صامت مع تركيا ، تلا المصالحة القطريّة مع دول الخليج، والتي جاءت بجهود أميركيّة وكويتيّة في دليل على علاقات "خاصة" بين أميركا وقطر، علمًا أن واشنطن كانت منعت عام 2017 ووفق شهادة وزير خارجيتها ريك تيلرسون، غزوًا عسكريًّا لقطر من قبل الدول الخليجيّة،   تلتها مصالحة مع مصر ، ولقاء بين الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي مع مبعوثين قطريّين، وهو اللقاء الأول الذي يتم بعد عزل محمد مرسي، وتعهّدت قطر عبر هذه المصالحة بدعم النظام المصريّ الحالي .

 

 ما سبق، وبمراجعة سريعة لأحداث الربيع العربيّ، يوضح حقيقة التفت إليها كثيرون وهي دعم "الجزيرة" لمواقف وتوجّهات الحركات الدينيّة خلال هذه الأحداث، سواء في مصر، أو تونس أو غيرها، وأكدت الصورة التي يصبو إليها وربما يتمناها المواطن العربيّ، وهي في كثير من الأحيان مجافية للحقيقة، وبالتالي قدّمت الحقيقة بصورة مختلفة عن الواقع، وعكست ما تراه، أو تريده تريد قطر، في تأكيد على دور " المال السياسيّ"، الذي يعتمد خاصّة في وقت الأزمات على وسائل الإعلام. حيث يقوم أصحابه سواء كانوا أشخاصًا عاديّين أو حكومات، أو أثرياء مقرّبين من السلطة، (قناة 14 في إسرائيل مثلًا) ومن  من أجل الدفاع عن أمر ما، أو زعيم سياسيّ ما،  بضخّ الأموال للإعلام سواء المكتوب من  صحف، أو القنوات التلفزيونيّة والإذاعيّة، أو وسائل التواصل الاجتماعيّ، لدعم أجنداتها أو تسويق شخصيّات إعلاميًّا وشرعنتها سياسيًّا بعد ذلك،

 

كما حدث مع القائد الجديد لسوريا، المنتمي إلى جذور فكريّة وعقائديّة إسلاميّة وسطيّة اليوم، والذي خصّته الجزيرة بثلاث حلقات وثائقيّة للإعلاميّ أحمد منصور، أظهرت شخصيّته المتسامحة والليبراليّة والبراغماتيّة، تتويجًا للانتقال إلى المرحلة الثالثة من مسيرته، وهي التي كانت مرحلتها الأولى   "داعش" والثانية تحدي أبو بكر البغدادي وتأسيس جبهة النصرة  وتكريس زعامة الجولاني الفرديّة الشخصيّة، وثالثها السيطرة على إدلب  لسنوات عديدة وحكمها كبداية لدوره المؤسساتيّ والسلطويّ ثم الإطاحة ببشار الأسد ، والانتقال نهائيًّا من الجهاد ضمن "داعش" أو "جبهة النُصْرَة"  إلى الحكم وإقامة المؤسّسات، دون تحوّل حقيقيّ في المواقف، بل ربما أو فقط في شكل الطروحات، وذلك بعد "تعديل " متواصل وتسويق إعلاميّ وربما غيره، كمقدمة للسيطرة على السلطة بطروحات وتصريحات  براغماتيّة هي الكفيلة بكسب الاعتراف الدوليّ والمحليّ والإقليميّ.

 

ختامًا:  ما سبق يؤكّد أهميّة العلاقة السليمة، والتي تتوفّر فقط في الأنظمة الديمقراطيّة والمنفتحة، بين الإعلام والمجتمع  وهي علاقة متبادلة يؤكّد الخبراء أنها تأثير متبادل وتغذية متبادلة،  فالإعلام القويّ  والشريف والشفّاف والشجاع، بحاجة إلى مجتمع مدنيّ قويّ، وفصل بين السلطات وقضاء مستقلّ وحياة ديمقراطيّة ، وإلا سيبقى الاعلام بوقًا لسلطة السياسة والمال وتلميعًا لشخصيّات ،ومنها على سبيل المثال وليس المقارنة، إيتمار بن غفير مثلًا في إسرائيل،  والذي تغذيه الكراهية للغير والتعصّب الدينيّ المتطرّف، ومنحها صورة ليست لها، حتى تصل السلطة، ليتضح أنها عكس ذلك تمامًا،  وفي هذا الفشل الأكبر..

 

وعليه نقول: لا بدّ لليل أن ينجلي وللحقّ أن يظهر حينًا بعد حين، لأن التضليل مهما طال لن يبقى إلى الأبد.

 

תגובות

מומלצים