لا تطالبوا الشعوب بمزيد من الصبر والانتظار
في وحدة حال نادرة عاشت منطقة الشرق الوسط خاصّة والعالم عامّة هذا الأسبوع، وسط جدل وانشغال بأمرين أوّلهما انتظار لا يعرف أحد موعد انتهائه، وترقّب لردّ إيراني حتميّ على اغتيال إسماعيل هنيّة في طهران ومعه ردّ "حزب الله" الذي تؤكّده قياداته
على اغتيال فؤاد شكر في الضاحية الجنوبيّة. وهو ترقّب طالت أيامه ويعتبر البعض إطالة أمده، بشير خير ودليل تخفيف للتصعيد بين إسرائيل وإيران،
وربما بحث عن بديل أيًّا كان للردّ العسكريّ سواء كان على شاكلة الهجوم السابق بمئات المسيَّرات على إسرائيل، أو استهداف لشخصيّات أو هيئات، أو مقرّات إسرائيليّة في دول العالم المختلفة، أو غير ذلك. ومع استمرار الضبابيّة، بل وربما حتى العبثيّة المتعلّقة بتكرار جولات المفاوضات حول صفقة تشمل وقف إطلاق النار في الحرب الدائرة في القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليّين المختطفين،
وهي جولات لم تفض حتى اليوم إلى تحقيق النتيجة المرجوّة منها، وهي وقف على الأرض لإطلاق النار ، وتحقيق للاستحقاقات الأخرى، في تأكيد على أن هذه المفاوضات تحوّلت إلى هدف بحدّ ذاته وليس وسيلة ، وأنها إدارة للمفاوضات وتكريس للوضع القائم، عبر مراوحة في المكان، وربما حتى التراجع عن بعض التفاهمات، أو البنود المتّفق عليها من اقتراح الرئيس الأميركيّ جو بايدن في السابع والعشرين من شهر أيار،
وهو اقتراح إسرائيليّ أصلًا، وذلك رغم التصريحات الأميركيّة حول انطلاقات وتقدّم في المفاوضات واحتمال التوصل إلى انفراج، وكلّها كما اتّضح دون رصيد، بل ربما وسيلة ضغط على "حماس" أو على الوسطاء في مصر وقطر للضغط على "حماس"،
خاصّة بعد أن اتّضح أن الدعم الأميركيّ الممنوح لإسرائيل منذ بداية الحرب، ما زال على حاله، بل إنه ينطبق على هذه المفاوضات أيضًا خاصّة بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركيّ أنتوني بلينكن، بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، عصر الإثنين، وتأكيده على أن نتنياهو يقبل بتقديم تنازلات لإنجاز الصفقة من منطلقات أمنيّة إسرائيليّة. وهو ما يعني أن واشنطن تواصل أيضًا إدارة المفاوضات وإدارة الأزمة الحالية في المنطقة،
عبر استخدام استراتيجيّة كسب الوقت وانتظار الفرج ، وهي واحدة من بهلوانيّات السياسة الدوليّة تفسيرها بكلمات غير دبلوماسيّة أن واشنطن وصلت مرحلة القنوط والاستسلام أمام تعنّت طرفي المفاوضات، وبالتالي استمرار الحرب واستمرار محاولات منع تحولها إلى مواجهة إقليميّة واسعة قد تحرق الأخضر واليابس، وكلّه رهن بالردّ الإيرانيّ، والردود المضادّة له.
ما سبق قوله، مردّه الضبابيّة المتعمّدة إيرانيًّا حول الردّ المؤكّد، تصريحيًّا على الأقلّ ، والذي يؤمن كثيرون أنه يتأخّر انطلاقًا من رغبة إيران في إفساح المجال أمام مفاوضات وقف إطلاق النار في حرب غزة، وعندها ستتمكّن طهران من استخدام ذلك ورقة رابحةً ومبرّرًا مقنعًا، و عذرًا لعدم الردّ، باعتبار ردّها، كما تدّعي هي علنًا على الأقلّ، يهدف إلى نصرة أهالي غزة،
رغم أن هذا منافٍ ومجافٍ للحقيقة ولفكر الثورة الخمينيّة الواضح الذي يعتبر الجهاد ضدّ اسرائيل رايةً وشعارًا وركيزة، خاصّة وأن طهران لم تحدّد طبيعة الردّ العسكريّ، رغم إعلانها أن المرشد الروحيّ علي خامنئي يشرف عمليًّا وشخصيًّا على التحضيرات للردّ على إسرائيل، بل تركت باب السيناريوهات المحتملة مفتوحًا على مصراعيه، بدءًا بردّ عسكري قد يكون مباشرًا ضد إسرائيل،
أو ضد مصالحها في المنطقة، عبر استخدام صواريخ باليستيّة دقيقة تدّعي طهران امتلاكها، يتم توجيهها نحو أهداف استراتيجيّة داخل إسرائيل، أو استهداف منشآت عسكريّة واقتصاديّة إقليميّة لها علاقة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الردّ العسكريّ المباشر سيحمل رسالة قويّة من طهران بأن أيّ انتهاك لأراضيها، أو تحدٍّ لنفوذها يستوجب الردّ، ورغم ذلك فإنه يحمل في طيّاته مخاطر كبيرة وحقيقيّة واحتمال اندلاع حرب واسعة النطاق بين إيران وإسرائيل، ربما تشارك فيها قوى أخرى،
خاصّة وأن إسرائيل وعلى لسان وزير خارجيّتها يسرائيل كاتس ، طالبت وزراء خارجيّة بعض الدول الأوروبيّة بمساعدة إسرائيل عسكريًّا، في أيّ نشاط دفاعيّ، أو هجوميّ على طهران، ممّا قد يؤدّي إلى نتائج كارثيّة على المستويين الإقليميّ والدوليّ، ومن هنا فإن تأخير الردّ وتراجع طهران عن تنفيذه بشكل فوريّ بعد عمليّة اغتيال هنيّة،
كردّ انتقاميّ وربما غرائزيّ، قد يشير إلى أن النظام في طهران والذي لم تميّزه حتى اليوم القرارات العقلانيّة والمدروسة، بل ردودّ الفعل السريعة والعاطفيّة والمتسرّعة، يدرك ويفهم أن الردّ العسكريّ المباشر قد يكون خطوة لها أبعادها السلبيّة والخطيرة، إضافة إلى الخسائر المباشرة المحتملة،
وأنه يعرضها لضغوط دوليّة أكبر، بما في ذلك فرض عقوبات جديدة من قبل دول أوروبيّة كانت حتى اليوم محايدة خاصة في موقفها من المشروع النوويّ الإيرانيّ، ونظرت بإيجاب إلى ضرورة توقيع اتّفاق جديد بشأنه، وربما رفع العقوبات عن استيراد النفط الإيرانيّ وغيره، أو حتى مواجهات عسكريّة مفتوحة مع الولايات المتحدة ،
يقينًا أن طهران غير مستعدة لها في الوقت الحاليّ، ناهيك عن أن الحسابات الداخليّة الإيرانيّة خاصّة بعد وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي في حادث تحطّم المروحيّة، دون أن تتّضح حتى اليوم الصورة الكاملة للحادث، تلعب دورًا كبيرًا، فإيران تعاني أزمات اقتصاديّة خانقة وكبيرة نتيجة العقوبات الدوليّة. ومن هنا فإن أي تصعيد عسكريّ قد يؤدّي إلى ازدياد هذه الأزمات، وإثقال كاهل الشعب الإيرانيّ أكثر وأكثر.
من جهة أخرى، لا بدّ من الإشارة إلى أن تأخّر الردّ والمناقشات حوله في طهران تعني أن القيادة هناك تحاول بكافّة الطرق، وربما بخلاف التصريحات الناريّة الصادرة عنها، أو عن وكلائها في المنطقة وتحديدًا أمين عام حركة " حزب الله" ، تحاول بكل ما أوتيت من قوّة تجنّب عمل يؤدّي إلى حرب شاملة غير محسوبة العواقب، وتفضّل بدلًا من ذلك الردّ بطرق غير تقليديّة، مثل تعزيز نفوذها الدبلوماسيّ،
وتوسيع تحالفاتها وتحسين علاقاتها الدبلوماسيّة مع "خصوم الأمس" كما يحدث مع مصر، وسنعود إليه لاحقًا لأهمّيّته، أو ربما تقرّر في النهاية خوض حرب "عن بعد" بهجوم سيبرانيّ ضد مصالح إسرائيليّة،
أو عبر استخدام الوكلاء لتوجيه ردّ عسكريّ غير مباشر، وقد تلجأ إلى استخدام واحدٍ من حلفائها في المنطقة، وخاصة "حزب الله" والحوثيين في اليمن، أو غبرهما، لتنفيذ هجمات ضد المصالح الإسرائيليّة، وهو ما أشار اليه ربما دون قصد أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله قبل أسبوعين، مشيرًا إلى أن حزبه يملك قوة وأسلحة مؤثّرة، بل خطيرة للغاية يمكنه توجيهها إلى كل نقطة يريدها داخل إسرائيل،
وبالتالي فإن طهران قد تقرّر ولحساباتها الداخليّة فقط، التضحية بلبنان وخاصّة جنوبه، وتنفيذ ردّ عسكري من جانب "حزب الله" ينفّذ أجندتها من جهة، ويبعدها عن التصعيد من جهة أخرى، بمعنى أنه يمكن لإيران توظيف الجماعات المسلّحة الموالية لها، خاصّة تلك المتواجدة في سوريا والعراق، لتنفيذ هجمات تستهدف القواعد الإسرائيليّة، أو مصالحها في المنطقة، وهي توجّه يهدف إلى ممارسة الضغط على إسرائيل دون المخاطرة بمواجهة مباشرة.
دبلوماسيًّا، يبدو أن إيران تريد ، دون التنازل عن دعم المنظمات المسلّحة الموالية لها ودون التخلّي عن التلويح باستخدامها سوطًا مسلَّطًا على رقاب الأنظمة في المنطقة، بدءًا بالعراق واليمن مرورًا بسوريا وانتهاءً بلبنان ، العمل على استعادة نفوذها السياسيّ في المنطقة،
ومواصلة نهج المصالحة الذي كانت قد توّجته باتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسيّة مع الرياض وإعادة فتح السفارات، بوساطة صينيّة تعني في نظر المراقبين إشارة إلى أن طهران تريد دفع جاراتها الخليجيّات إلى النظر في إمكانيّة واحتماليّة الكفّ عن اعتبار واشنطن الحليف الوحيد، بل البحث عن حلفاء جدد ودول عظمى جديدة اقتصاديًّا وعسكريًّا وتقنيًّا كالصين التي تربطها بروسيا بوتين علاقات وطيدة وقويّة، وهو توجّه استغلّت فيه طهران والصين العلاقات المتوتّرة بين إدارة جو بايدن، وولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان، على خلفيّة مقتل الصحفيّ السعوديّ جمال خاشقجي في تركيا عام 2018 ، التوتّر الذي سببه ذلك، والذي خفّت حدّته حتى بين تركيا والسعوديّة، وزيارة الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان إليها عام 2023 ،
فور انتخابه لولاية ثالثة، وهي زيارة تندرج ضمن المبدأ السياسيّ السائد في الشرق الأوسط من أن الزمن كفيل بتخفيف التوتّرات وتغيير المواقف والتوجّهات، وربما هي حالة مشابهة لحالة الردّ الإيرانيّ المتوقّع ضد إسرائيل، والذي ستخفّ حدّته كلّما طال انتظاره، خاصّة في منطقة ينطبق فيها هذا المبدأ على العلاقات، أو الجوانب الدبلوماسيّة، فالزمن كفيل بتخفيف العداء،
كما يحدث في قضية العلاقات المصريّة الإيرانيّة والتي كانت قد انقطعت بينهما عام 1979، أي فور استيلاء آية الله الخميني على مقاليد السلطة في إيران، قبل أن تُستأنف عام 1990 على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح، لكنّ الحياة ذبلت في شرايينها في الأشهر الأخيرة، من خلال سلسلة لقاءات لبحث تعزيز العلاقات الثنائيّة شاركت فيها مجموعات من المسؤولين في مصر الأزهريّة السنيّة التي تعادي الإخوان المسلمين وحركة "حماس" وايران الشيعيّة التي تدعم "حماس" والجهاد الإسلاميّ ، بدأها وزير الخارجيّة المصريّ سامح شكري مع نظيره الإيرانيّ حسين أمير عبد اللهيان.، بمعرفة ودعم الرئيس الإيرانيّ الراحل إبراهيم رئيسي والمصري عبد الفتاح السيسي اللذين التقيا في العاصمة السعوديّة الرياض، في نوفمبر ،تشرين الأول، الماضي وبحثا القضايا الإقليميّة، وفي مقدّمتها الحرب في غزة والتي كانت في شهرها الأول،
وتلت ذلك اتصالات هاتفيّة بينهما على المستوى الرئاسيّ أو الوزاريّ، يؤكّد الجميع أنها لن تتأثر بمصرع رئيسي وحسين عبد اللهيان جرّاء تحطّم مروحتهما الرئاسيّة. وهو ما جاء على لسان مصادر سياسيّة مطّلعة على سير المفاوضات بين الدولتين أكدت خلال تأبين رئيسي وعبد اللهيان، أن استعادة واستئناف العلاقات وتطوير ها بين إيران ومصر،
خاصّة في القطاعات الثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، سيستمرّ بقوة، وأن الاتصالات سوف تتواصل في غيابهما من أجل تحقيق النتائج المنشودة، وما أكّده مسؤولون مصريّون منهم جمال بيومي، مساعد وزير الخارجيّة المصري الأسبق، الذي قال إن عودة العلاقات بين البلدين قد تم حسمها وأنها مسألة وقت ليس إلا، وكلّها تصريحات وتطوّرات تؤكّد حالة "الرمال المتحرّكة" التي تشهدها المنطقة، وتثبت أن أعداء الأمس هم أصدقاء اليوم، وأن العداوات متغيرة، وكذلك التحالفات وأن الحديث الإسرائيليّ الأميركيّ عن حلف سنيّ ضد إيران يشمل مصر أيضًا والعربية السعوديّة، هو حديث سابق لأوانه، فالتطبيع مع السعوديّة يعيش حالة جمود بسبب الحرب في غزة، ومعه فتور في العلاقات بين إسرائيل ودول اتفاقيّات أبراهام(إبراهيم).
وإذا كان ذلك لا يكفي لتأكيد خصوصيّة الشرق الأوسط، جاءت قرارات محكمة الجنايات الدوليّة ومعها اغتيالات طالت إسماعيل هنية ومحمد الضيف، لتخلق واقعًا جديدًا تنجو فيه "حماس" من خطر أوامر الاعتقال الدوليّة من محكمة الجنايات الدوليّة، فهي محكمة كما قال المدعي العام كريم خان، لا تؤيّد مذكّرات الاعتقال ضد القتلى، وبالتالي مع تأكيد مقتل إسماعيل هنية ومحمد الضيف، لن تستمر إجراءات طلب إصدار المذكّرات ضدهما،
لكنها ما زالت تهدّد رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت، خاصّة بعد أن أعلنت الحكومة البريطانية الجديدة بقيادة حزب "العمال" بأن وزير خارجيتها ديفيد لامي، سيراجع من جديد ملفّات هامّة منها تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين "أونروا" وكذلك موقف الحكومة السابقة ،
المحافظة برئاسة ريشي سوناك، حول عدم وجود خطر من استخدام إسرائيل الأسلحة البريطانيّة في انتهاك القانون الدوليّ خلال الحرب، إضافة إلى أنها تخطّط لسحب طلب سابق للمحكمة الجنائيّة الدوليّةعدم إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء نتنياهو ووزير أمنه غالانت. وهو ما دفع نتنياهو إلى الحديث ولو خلف أبواب مغلقة حاليًّا، عن احتمال تشكيل لجنة تحقيق حكوميّة لبحث أحداث الحرب الحاليّة في غزة، وتجنيبه ووزرائه أوامر الاعتقال الدوليّة التي تلزم كافّة دول العالم،
إضافة إلى وضع تعود فيه إيران إلى حضن الشرق الأوسط السني وتتحسّن علاقاتها مع أوروبا والصين وروسيا بفعل انتخاب رئيسها الجديد مسعود بزشكيان، البراغماتيّ نسبيًّا للرئيس السابق إبراهيم رئيسي المسمّى " الجلّاد من طهران"، بينما تتزايد في أوروبا وأميركا الجنوبيّة والدول العربيّة وبعضها يملك اتفاقيّات سلام مع إسرائيل، الأصوات المندّدة بها والتي تعترف بالدولة الفلسطينيّة،
وتدعو إلى إعادة النظر في كون إسرائيل دولة فوق المحاسبة القانونيّة والمساءلة الدوليّة، خاصّة إذا أضفنا إلى ما سبق ما يحدث في الضفة الغربيّة في عهد الحكومة الحاليّة ووزيريها بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، وما يلحقه ذلك من أضرار بدولة إسرائيل التي تعاني حالة حرب يرافقها تدهور اقتصاديّ دلائله الواضحة ارتفاع الأسعار، وخفض التصنيف الائتمانيّ لدولة إسرائيل، وهروب الأدمغة وتضاؤل الاستثمارات الدوليّة والعقوبات الاقتصاديّة على شخصيّات إسرائيليّة قد تصل أيضًا الوزيرين المذكورين،
وكم بالحري أن ذلك يتزامن مع شرخ سياسيّ واجتماعيّ خطير يخشى كثيرون في إسرائيل أن لا تصمد أمامه مرافق البلاد الاقتصاديّة خاصّة إذا استمر الحال كما هو دون إصلاحات اقتصاديّة وتعليميّة وسياسيّة تضمن نهجًا جديدًا وسلّم أفضليّات سياسيّ واجتماعيّ جديد ينظر بعين ثاقبة إلى الواقع فيدرك أن استمرار الحرب لا يجدي، وأن استمرار سياسات اليمين الاستيطانيّة لا يجدي،
وأن صمت اليسار الإسرائيليّ الذي يشعر بالذنب جرّاء الاحتلال والاستيطان لكنّه لا يجرؤ على إعلان ضرورة الانسحاب وإقامة دولة فلسطينيّة، لا يجدي أيضًا، فتغيير الحال بحاجة إلى إصلاحات قد تكون مشابهة لتلك المطلوبة اقتصاديًّا واجتماعيًّا من مصر وإيران ضمن جهودهما لإعادة العلاقات بينهما، خاصّة على ضوء تدهور الحالة الاقتصاديّة وتضاؤل القوة الإنتاجيّة بسبب قلّة نسبة المواطنين المشاركين في العمليّة الإنتاجيّة، وهو الحال في قطاع غزة والذي ليس بحاجة إلى اصلاح فقط، بل إلى إعادة بناء من جديد.
خلاصة القول أن شرقنا اليوم يعيش حالة مخاض، قد تنتهي إلى حرب شاملة خطيرة، ربما تتحوّل إلى عالميّة إذا لم تتضافر الجهود لمنعها عبر وضع المصالح العامّة، قبل تلك الضيّقة والخاصّة، وإذا لم تنفّذ الدول، أو الكيانات الأربعة المذكورة في مقالي هذا، وهي إيران وإسرائيل ومصر وغزة ومعهم لبنان أيضًا الإصلاحات اللازمة السياسيّة والقانونيّة والاقتصاديّة و الاجتماعيّة، وإذا لم ترفع الجماهير صوتها مطالبة بمستقبل أفضل وعالم أحسن،
وإذا لا تملك الشجاعة لقول الحقّ وإعلاء صوت معارضة السلطة الفرديّة، وتغليب الشخصيّ والفئويّ على العام، فصمت المواطنين على تصرّفات وتوجّهات سياسيّة وقضائيّة تناديهم بالانتظار وبصمت مطبق حتى يتحقّق النصر وأهداف الجهاد، أو حتى يتحسّن الحال اقتصاديًّا غير مجدٍ. أمّا من يطالبهم ذلك بحجّة أن الوقت ليس مناسبًا بعد للتحسين والتبديل والتغيير والاهتمام بمصالحهم فيذكرني بقول الفيلسوف الأميركيّ أريك هوفر:" الفكر الذي يأمر الناس بالصبر على الظلم دون رفضه، والقناعة بالفقر دون مكافحته، والرضى بالواقع دون محاولة تغييره ، هو أفيون الشعوب".. بغضّ النظر عن كونه سياسيًّا، أو دينيًّا، أو عسكريًّا، أو غيره.
أجل، حقّ الشعوب أن يحكمها من هو أهل لها يخدم مصالحهم، ويرفع من شأنهم، وليس القيادة التي تتحكّم بها المصالح الشخصيّة والفرديّة. وهذا الحقّ لا يحول ولا يزول ولا يتغيّر، لأن الديمقراطيّة هي حكم الشعب منذ فكر فلاسفة اليونان بنظام الحكم للشعب وليس للزعيم . وعليه هل ستبقى شعوب هذه المنطقة محكومة بقوّة السلاح التي يتحكّم بها الزعيم ؟