عندما تعتقد قيادات ما أنّ الإنسان أرخص سلعة فلن تتحمّل مسؤولية دماره

هو واحد من أمرين حلوهما مرّ، أو إن المفاضلة بينهما هي مفاضلة بين السيّئ والأسوأ، بين الخطر المحليّ الكبير والخطر الإقليميّ الداهم وربما أكثر من ذلك، وأقصد هنا ، ما يتعلّق باحتمالات اندلاع حرب بين إسرائيل وحركة "حزب الله" أوّلهما التناقض بين تصريحات حادّة

06.07.2024 מאת: المحامي زكي كمال
عندما تعتقد قيادات ما أنّ الإنسان أرخص سلعة فلن تتحمّل مسؤولية دماره

 

إسرائيليّة تهدّد لبنان بالويل والدمار، وبإعادته عشرات السنوات إلى الوراء، وجعل بيروت نسخة من غزة، وتقابلها تصريحات من "حزب الله" حول عشرات آلاف الصواريخ الدقيقة الموجّهة إلى آلآف المواقع الحسّاسة والإستراتيجيّة داخل إسرائيل، تمّ التلميح إلى بعضها ضمن الشريط المصوّر الذي التقطت تفاصيله مسيَّرة " الهدهد" التي أطلقها الحزب قبل نحو أسبوعين،

وكلّها تصريحات  متبادلة يمكن تفسيرها على أنها محاولة للردع  وللترهيب والتخويف تطمح إلى منع الحرب وتفاديها، انطلاقًا من مبدأ الردع، أو درء المخاطر،  أو إنها تصريحات حقيقيّة قد لا تقف عند هذا الحدّ، بل تتحوّل ، في رمية من غير رامٍ إلى حرب ضروس،  خاصّة إذا ما أضفنا إليها، تصريحات أميركيّة تحذّر من احتمال اندلاع حرب،  

وتعتبرها مدخلًا خطيرًا ومنزلقًا يمكن الامتناع عن ولوجه، قد ينتهي إلى تدخّل ايران وربما قوّات أخرى، ربما خارجيّة ستحاول استغلال الحرب هذه، لإنهاك الولايات المتحدة، وهي التي تنشغل اليوم في الحرب الأوكرانيّة والحرب في غزة، عبر إشغالها في جبهة ثالثة ستكون دون شكّ أقسى على حليفتها إسرائيل من تلك التي في القطاع، وبالتالي تتطلّب من الولايات المتحدة جهدًا عسكريًّا أكبر لدعم إسرائيل خاصّة، وأن مصادر أميركيّة مطّلعة حذَّرت من أن القوة الصاروخيّة التي يملكها "حزب الله" سوف تنهك منظومة القبّة الحديدة الإسرائيليّة، وتقلّل من فعاليّتها.

 

 

وهي ملاحظة، أو تحذير يعني باللغة العاديّة، وبعيدًا عن النصوص اللغويّة الدبلوماسيّة، أن الحرب ستلحق بالداخل الإسرائيليّ أضرارًا ربما جسيمة، بمعنى أن قيام إسرائيل بعمليّة عسكريّة مختصرة ضد "حزب الله"، دون أن تؤدّي إلى مواجهة واسعة ومباشرة  هو احتمال ضئيل للغاية، وأنّ أيّ عمليّة بريّة إسرائيليّة مهما كان أهدافها المعلنة والرسميّة ستؤول إلى  قصف متبادل يطول عمق  الدولتين  ومدنهما، وبضمنها العاصمة بيروت في لبنان ومدنًا أخرى داخل إسرائيل ما زالت حتى اليوم خارج نطاق " المواجهة العسكريّة المحدودة" على الحدود الشماليّة الدائرة منذ السابع من أكتوبر. وهو قصف متبادل  ستكون نتائجه الدمار الشامل والهائل، ناهيك عن التحذير الواضح الذي سمعه وزير الأمن الإسرائيليّ يوآف غالانت خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن التي تزامنت مع تلاسن إسرائيليّ بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأميركي بقيادة وزارة الخارجيّة، عقب اتهام نتنياهو لواشنطن أنها تؤخّر شحنات أسلحة إلى إسرائيل، وجاء فيه  أن واشنطن تخشى، وهي عبارة تقول في العرف الدبلوماسيّ والاستخباراتيّ أن الأمر مؤكّد أو يقارب ذلك، من أن محاولة إسرائيليّة لتنفيذ عمليّة بريّة محدودة كهذه أو تلك، في جنوب لبنان ستؤدّي- لم تقل واشنطن إنها قد تؤدّي إلى حرب واسعة وقاسية وشاملة مع حزب الله، وستنضمّ إيران إليها.

 


من الجانب الآخر، فاستمرار  الحديث عن اجتياح لجنوب لبنان والعمل على إبعاد مقاتلي حزب " الله" إلى ما خلف نهر الليطانيّ، أي إلى مسافة 40 كيلومترًا عن الحدود الإسرائيليّة، وإقامة منطقة عازلة، أو حزام أمنيّ داخل الأراضيّ اللبنانيّة، وهو حديث يتزامن مع إعلان لجنة عسكريّة، أنّ  انفجار المقرّ العسكريّ،

أو القيادة العسكريّة في مدينة صور اللبنانيّة خلال حرب لبنان الأولى، في الحادي عشر من تشرين الثاني عام 1982،والذي أصرّ الجيش الإسرائيليّ حينها، ورئيس هيئة أركانه الجنرال رفائيل إيتان، والشاباك برئاسة أبراهام شالوم المعروف من قضية الحافلة رقم 300  ومقتل مسلّح فلسطينيّ حاول اختطاف حافلة إسرائيليّة، على اعتباره حادثًا عرضيًّا، أو انفجارًا نجم عن تسرّب غاز الطبخ، كان عمليّة عسكريّة مسلّحة نجمت عن سيارة مفخّخة، وهو انفجار كان الأوّل من نوعه وتلاه آخر،

هو تفجير صور الثاني في الرابع من تشرين الثاني عام 1983، أي بعد سنة بالضبط، وأمكن منعه لو لم يتم التستّر على أسباب الانفجار الأوّل، هي الدليل على أن أصحاب هذا التوجّه، ومطلقي هذه التصريحات لا يدركون أن بداية الحرب لا تضمن نهايتها، وأن أهدافها الأوليّة والمعلنة ستتبخّر أمام المجريات على أرض الواقع، وأن مدى الحرب إقليميًّا، أو جغرافيًّا، أو على أرض المعركة قد يتضاعف على ضوء ما يحدث وإزاء التهديدات والمخاطر العسكريّة،

وهو ما أكّدته تلك الحرب التي شهدت تفجيري صور المتتاليين، والتي بدأت برغبة الجهاز العسكريّ الإسرائيليّ بقيادة وزير الأمن حينه أريئيل شارون ، العمل على إبعاد مسلّحي المنظّمات الفلسطينيّة 40 كيلومترًا عن الحدود الإسرائيليّة، وذلك ردًّا، أو ربما بذريعة، محاولة مسلّحين فلسطينيّين اغتيال سفير إسرائيل في بريطانيا في حينه شلومو أرغوف في الثالث من حزيران عام 1982، واجتماع عاجل للحكومة الإسرائيليّة بعده بقليل. وهي حرب بدأت بالرغبة المعلنة  في إبعاد مسلّحي منظّمة التحرير الفلسطينية إلى مسافة الأربعين كيلومترًا كما قلنا ، وانتهت إلى احتلال أجزاء من العاصمة بيروت،

وما رافقها من مقتل لمئات الجنود الإسرائيليّين، إضافة إلى اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميِّل ومذبحة صبرا وشاتيلا، والتي نفّذها مسلّحو الكتائب اللبنانيّة، لكنّ المطالب الشعبيّة في إسرائيل، والتي بلغت ذروتها بمظاهرة شارك فيها 400 ألف إسرائيلي في تل أبيب، انتهت إلى تشكيل لجنة تحقيق رسميّة، لم تردها الحكومة في البداية ، لكن القاضي يتسحاك كاهان رئيس المحكمة العليا آنذاك رفض أن يترأس اللجنة الحكوميّة، وأصرّ على أن تكون رسميّة ليرأسها، وهكذا جاءت لجنة "كاهان" التي انتهت جلساتها، رغم أن الحكومة الإسرائيليّة أرادت في البداية لجنة تحقيق حكوميّة لا تعتبر توصياتها ملزمة ونهائيّة تمامًا كما اليوم وهذا ما سنعود إليه- وجميعًا نذكر قول رئيس الوزراء الإسرائيليّ لاحقًا ووزير الخارجيّة حينه إسحق شمير المشهور:" عرب يقتلون عربًا واليهود يدفعون الثمن"،

 إلى تحميل إسرائيل والجيش ووزير الأمن حينه، أريئيل شارون المسؤوليّة غير المباشرة عن المذبحة في 16 أيلول 1982  التي أوقعت مئات القتلى، وأوصت بمنعه مستقبلًا من تولّي منصب وزير الأمن، وهو ما كان مقدّمة لتنحّي رئيس الوزراء مناحيم بيغن حينه عن منصبه جرّاء معاناته الشديدة بعد سقوط الجنود القتلى، والمظاهرات الاحتجاجيّة الصامتة أمام منزله التي نظّمها معارضو الحرب الذين عمدوا إلى تذكيره كلّ صباح ومساء بأعداد الضحايا الإسرائيليّين، وصولًا إلى إعلانه أنه لا يستطيع مواصلة مهامّه، وقوله الشهير" لا يمكنني الاستمرار أكثر".

 

 

وكلّها أحداث تثبت مخاوف الولايات المتحدة الحاليّة من أنه حتى لو تعهّدت إسرائيل بأنها تريد عمليّة عسكريّة محدودة النطاق وواضحة المعالم والأهداف، أي عمليّة بريّة هدفها إبعاد مسلّحي "حزب الله" وصواريخه وأسلحته  عن الحدود فقط، إلى ما خلف نهر الليطاني، وحتى لو أكّدت أنها لا تريد تدمير لبنان ولا العاصمة بيروت، وأنها لا تريد إعادة احتلال الجنوب اللبنانيّ،  وكم بالحريّ وسط حديث متزايد في أوساط اليمين المتديّن حول إعادة الاستيطان اليهوديّ إلى جنوب لبنان باعتباره أراضي إسرائيليّة تم اقتطاعها ضمن اتفاقيّات نهاية الحرب العالميّة الأولى، لإقامة دولة اسمها لبنان يعتبرها اليمين الاستيطانيّ في إسرائيل دولة غير طبيعيّة، يجب على اليهود استعادتها ضمن أرض إسرائيل التوراتيّة، فإنه من المؤكّد أن الأطراف الأُخرى للمعادلة لن تفهمها ، ولن تصدّقها استنادًا الى مشاعر العداء وانعدام الثقة بالنوايا والأعمال، ما سيخلق احتمالات عالية وكبيرة أن تتحوّل إلى حرب، أثبتت التجارب التاريخيّة أنها ممكنة، بل شبه مؤكّدة أمّا نتائجها فكارثيّة.

 


إضافة إلى ما سبق، فإن الحديث عن إبعاد  مسلّحي "حزب الله" عن الحدود واعتباره إسرائيليًّا الحلّ السحريّ والأكيد للوضع الراهن المتوتّر على الحدود الشماليّة، يعيد إلى الأذهان تلك التصريحات حول تنظيف لبنان من المسلّحين الفلسطينيّين وضمان الأمن والهدوء، وكلّها تصريحات اتّضح أنها فارغة المضمون فالحرب التي شهدها لبنان عام 1982، والمسمّاة إسرائيليًّا حرب سلامة الجليل وعالميًّا حرب لبنان الأولى خاصّة وأنه تلتها حرب لبنان ثانية عام 2006، وقد تتبعها ثالثة تكون أكثر شدّة وقسوة وهدمًا وضحايا،

تؤكّد أن إبعاد مسلّحي فصيل مسلّح وحتى حرمانه من قاعدته الجغرافيّة أينما كانت لا يمكن أن يضمن الهدوء حتى لو كان منظّمة مسلّحة خارجيّة، كما كان حال منظّمة التحرير الفلسطينيّة التي وصلت لبنان بعد أيلول الأسود عام 1972، والتي انتهت الحرب إلى خروجها بقيادة زعيمها ياسر عرفات من لبنان إلى تونس بحماية أميركيّة، دون أن يؤدّي ذلك إلى وقف نشاطاتها المسلّحة، فكم بالحريّ إذا كانت منظّمة لبنانيّة أصلية لها جذورها الجغرافية والدينيّة والمدنيّة والاجتماعيّة، وتحظى بدعم شعبيّ  كبير  وتضامن جماهيريّ،  وهذا استنتاج يفهمه كما يبدو أو ربما من المؤكّد،

 واضعو السياسة الأميركيّة وخبراء الجيش والمخابرات هناك، وهو تحديدًا ما يجعلهم يواصلون البحث عن حلّ سياسيّ ومخرج دبلوماسيّ، ومحاولات لتهدئة الأوضاع رغم تأكيدهم علنًا، أنه إذا ما نشبت حرب في لبنان، لأن حزب الله قرّر الانضمام إلى حركة" حماس" ومواصلة ضرب أهداف ومدن إسرائيليّة للتخفيف عسكريًّا عن "حماس" وإشغال إسرائيل ووحدات من جيشها، فإن واشنطن ستقف إلى جانب إسرائيل، وستدعمها نهائيًّا وبشكل تامّ، مع التأكيد رغم ذلك أن هذا الدعم لن يكون بالحدّة والشدّة نفسها التي كان فيها منذ اليوم الأوّل للحرب في غزة، وكما حدث خلال أو مقابل الهجوم الإيرانيّ بالمسيرات على إسرائيل،  في نيسان الأخير والأسباب عديدة منها المسافة القريبة بين إسرائيل ولبنان،

وانعدام أوقات التحذير من هذا الهجوم والحرب وردّها، ناهيك عن مخاوف أميركيّة من أن حربًا واسعة في لبنان ستعرّض مواقع وأهداف أميركيّة في المنطقة إلى هجمات إضافة إلى ما يفعله الحوثيّون اليوم من اليمن، وكلّ ذلك وسط تصريحات من مصادر إسرائيليّة مجهولة حول أنه إذا لم يتراجع "حزب الله" عن مهاجمته المتواصلة لأهداف إسرائيليّة، فلن يكون أمام إسرائيل من خيار سوى القيام بعمل عسكريّ داخل لبنان يشمل استخدام أسلحة لم تستخدمها إسرائيل من قبل، في لبنان.

 


ما سبق يقود إلى التأكيد على اختلاف الأوضاع حاليًّا، فالحكومة اليوم  مختلفة بشكل كبير ورئيسها خاصّة، معها نسبة كبيرة من الشعب الإسرائيليّ الذي يتّجه نحو اليمين، وهو ما يمكن الحكومة ورغم مرور تسعة أشهر على الحرب في غزة والإشارات الواضحة إلى أن "حماس" بدأت تستعيد سيطرتها المدنيّة والاجتماعيّة في مناطق عديدة من قطاع غزة، ورغم الحديث المتواصل إسرائيليًّا عن أن النصر بات قاب قوسين أو أدنى، أو على مرمى حجر، أو تحديدًا الإعلان عن النصر المبين والإعلان عن أنه تمّت إبادة حركة "حماس" خلافًا للتحذيرات الأخيرة حول استحالة ذلك خاصّة وأن "حماس" تحمل فكرًا دينيًّا له جذوره تمامًا كحركة "الإخوان المسلمين"،

ورئيسها مختلف فهو ليس مناحيم بيغن، الذي أرّقته أعداد الجنود القتلى التي بلغت 654، والذين اعتبرهم الجمهور في إسرائيل ضحايا ليس لمصرعهم ما يبرره انطلاقًا من كون الحرب في لبنان حينها دون غاية، وتحوّلت إلى وحل غاص فيه الجيش، وهو ما يخشاه اليوم مراقبون في إسرائيل، إضافة إلى أن مناحيم بيغن في حينه ولمشاهدته المتظاهرين أمام منزله والذين رفضت الشرطة تقييد حريتّهم، بعكس اليوم وسمحت لهم بالتظاهر استنادًا إلى موقف المستشار القضائيّ للحكومة آنذاك، البروفيسور يتسحاك زمير،

فرفعوا لافتة تحمل أرقام وأعداد الضحايا وهم أقل من عدد  671 جنديًّا لقوا حتفهم حتى اليوم ومنذ بداية الحرب في غزة، ومعهم مئات المدنيّين، أما الاحتجاجات الشعبيّة فإنها اليوم  تواجه أبواب موصدة  ومحاولة قمع متواصلة من الشرطة، سببها ائتلاف يمينيّ لا يرى بديلًا عن احتلال قطاع غزة، ولا يحاول النظر إلى ما بعد انتهاء الحرب الحاليّة، ناهيك عن أن رئيس الوزراء الحالي يؤكّد رفضه التامّ لأيّ تحقيق، أو استقصاء للحقائق قبل أن تنتهي الحرب،

 

وهو صاحب القرار الوحيد لذلك، وبالتالي يمكنه ربما إطالة أمدها عمدًا، بل إنه لا يتورّع عن إعلان رغبته أن لا تكون لجنة تحقيق رسميّة يرأسها قاضٍ متقاعد، بل لجنة تحقيق  أخرى ترأسها شخصيّة جماهيريّة كما قال، بمعنى أن توصياتها غير ملزمة، مع الإشارة إلى أن نتنياهو نفسه تجاهل توصيات لجنة تحقيق رسميّة في مقتل 44 مصلٍ يهوديّ خلال مراسم دينيّة قبل أعوام قرب جبل الجرمق في شمال إسرائيل، ومنع تشكيل لجنة تحقيق رسميّة في حريق الكرمل عام 2010 والذي أودى بحياة 44 من مستخدمي مصلحة السجون في إسرائيل قضوا حرقًا،  فهو كما يبدو تعلّم العبر من لجنة "كاهان" الرسميّة التي بحثت قضيّة صبرا وشاتيلا وقرّرت عدم الاكتفاء بتوصيات ضدّ المستوى العسكريّ وقيادات الجيش، بل وجّهت توصياتها نحو المستوى السياسيّ ، وهو ما يحاول نتنياهو ومقرّبوه منعه عبر إلصاق تهمة الفشل بالجهاز العسكريّ والاستخباراتيّ، وقرّرت أن المستوى السياسيّ يتحمّل المسؤوليّة غير المباشرة عن الأحداث التي وقعت، لأنّه لم يتّخذ الاحتياطات الكافية، وبالتالي يعمل على تأجيل تشكيل لجنة التحقيق إلى ما بعد انتهاء الحرب، كي يتمكّن من إعلان تحقيق النصر وتخفيف حدّة الغضب الجماهيريّ، كما يريدها لجنة حكوميّة وغير رسميّة يتم تفصيل قراراتها على مقاسه.

 


ما سبق يطرح أسئلة كثيرة منها هل يفكر أصلًا رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو بأن يحذو حذو مناحيم بيغن في تشكيل لجنة تحقيق رسميّة في النهاية، أو في التنحّي عن السلطة نظرًا لازدياد عدد القتلى جراء الحرب في غزة، واحتمال توسع نطاقها إلى حرب مع لبنان إذا واصل هو ووزراؤه تصريحاتهم الناريّة والتي وإن كانت موجّهة لقاعدتهم الانتخابيّة إلا أنها قد تتحوّل إلى أعمال تندلع بعدها حرب شعواء،

 

مع الإشارة إلى أن الاعتقاد السائد كان في بداية الحرب الحاليّة في غزة ، بأنها حرب سريعة، وإن كانت شديدة وقاسية ستنتهي خلال أسابيع إلى انهيار واستسلام مسلّحي "حماس" وإزالة الخطر الأمنيّ للحركة وخلق بديل فلسطينيّ غزيّ داخليّ لحركة "حماس" ، دون أن يحدث ذلك، تمامًا كحرب لبنان الأولى التي استطاع أريئيل شارون إقناع مناحيم بيغن أنها حرب خاطفة، أو عمليّة عسكريّة سريعة ستنتهي خلال 48 ساعة إلى هزيمة مسلحي الفصائل الفلسطينيّة وإبعادهم عن الحدود الإسرائيليّة، ومنح أصدقاء إسرائيل من الكتائب المسيحيّة اللبنانيّة السيطرة التامّة على لبنان مدنيًّا وعسكريًّا، لكنّها ولكونها جاءت بدوافع انتقاميّة ومن منطلق الكراهية استمرت 18 عامًا حتى العام 2000 عندما انسحب الجيش الإسرائيليّ من الجنوب اللبنانيّ، بعد استنزاف لقوّته وعمليّات مسلّحة طالت المئات من جنوده، دون نتائج واضحة وحاسمة، اللهم إلا أعداد الضحايا من الطرفين ما يذكرني هنا بصحّة القول الشهير لكونفوشيوس "قبل أن تشرع في رحلة الانتقام، احفر قبرين أحدهما لعدوّك والآخر لنفسك"،

فالحرب عادة تبدأ بتصريحات كبيرة وجلبة ووعود بنصر مطلق وتامّ وهزيمة مطلقة للعدو وانتصار للحقّ، أما نهايتها فمن يدري؟ وهكذا الحرب الحاليّة في غزة، ونتيجتها يقينًا لن تكون النصر المنشود إعلاميًّا على الأقلّ، فهي لن تنتهي إلا بالمزيد من القصف والهدم والقتل والدمار والاحتلال والفتك المتبادل لمزيد من الأسف والأسى، وهكذا سيكون المصير إذا استمرّت حرب الاستنزاف الحاليّة بين حزب الله وإسرائيل.

 


وعلى ضوء ما يحدث في عالمنا نقول ويلٌ لعالم مُقسّم إلى أجزاء، وكلّ جزء يحسب نفسه فيه قوّة لا تضاهيها قوّة (على نمط ما قاله الكاتب والأديب جبران خليل جبران " ويلٌ لأمّة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين، ويلٌ لأمة تلبس ممّا لا تنسج، وتأكل وتشرب ممّا لا تعصر، ويلٌ لأمّة مقسّمة إلى أجزاء وكلّ جزء يحسب نفسه فيها أمّة.

 


وعليه، حان الوقت أن تفهم القادة في الشرق الأوسط بأن الأنسان بحاجة إلى علم ومسكن ومصدر رزق وراحة بال وإيمان في مستقبل أفضل، بدلًا من الحروب التي لم تنفع أحدًا حتى الآن، بل أورثت المصائب تلو المصائب.

 

תגובות

מומלצים