حديثٌ في المُتَوَقَّع من رئيس غير مُتوقَّع

رغم أن فوزه بولاية ثانية في رئاسة الولايات المتحدة، أصبح حقيقة واقعة، وبنتائج لم يكن هو ربما يتوقّعها، تحمل الكثير من الدلالات، منها ما يفنّد مقولة أنها بلاد الفرص غير المحدودة، إلا إذا كنت ملوّنًا ترشّح للرئاسة وفوق ذلك سيّدة أصولها ليست أميركيّة خالصة، إلا أن دونالد ترامب يبقى دونالد ترامب.

16.11.2024 מאת: المحامي زكي كمال
حديثٌ في المُتَوَقَّع من رئيس غير مُتوقَّع

 

وربما بكلمات أوضح فإن انتخابه لولاية رئاسيّة ثانية لم يساهم في حلّ ما أسميه" أحجية ترامب" ، بمعنى أن ترامب يبقى ترامب، فكل شيء ممكن لديه، وغير المتوقّع في عرف الآخرين يمكن أن يصبح في عرفه أول أمر متوقّع وحتى مفهوم ضمنًا، وهكذا الأمور المتوقّعة التي يجعلها ترامب مستحيلة وغير ممكنة.

 

وبالتالي، ورغم النتائج الحاسمة للانتخابات، فإن الشهرين ونيّف المتبقيّين حتى استلام ترامب مهامّ منصبه رسميًّا في العشرين من كانون الثاني 2025،ستشكّل حلبة مفتوحة ومسرحًا تتعدّد فيه السيناريوهات، وكلّها متوقّعة وغير متوقّعة في آن واحد معًا، حول ما سيفعله ترامب، وما ستكون عليه سياساته ومواقفه وتصرّفاته،

حتى لو اتّضحت منذ اليوم المعالم الأولى لإدارته بعد إعلان بعض أسماء المرشّحين  ومنهم مارك روبيو لمنصب وزير الخارجيّة وغيره. وبالتالي يمكن القول إننا جميعًا بدءًا من المحلّلين والمعلّقين السياسيّين مرورًا بالمواطنين العاديّين، وانتهاءً بزعماء العالم كلّه، من أوروبا حتى آسيا والشرق الأوسط عامّة وإسرائيل ولبنان وغزة وإيران خاصّةً، نقف أمام مرحلة انتظار متعبة وربما مرهقة،

ستدوم نحو شهرين على الأقل. ننتظر فيها جميعًا بترقّب وقلق، ما سيتكشف من ملامح سياسة الرئيس دونالد ترامب، ربما عبر أسماء الشخصيّات التي تم الإعلان عن أسمائها كمرشّحين لتولي وشغل المراكز الأساسيّة في إدارته، لكن الاستنتاج  الوحيد الأكيد هو أن ترامب الفائز بالرئاسة سنة 2024 يختلف عن ترامب 2016،

وذلك لأسباب عديدة  منها أنه متحرّر من قيود الزمن والحاجة إلى كسب رضى وتأييد الناخبين مرة أخرى، إلا إذا قام، وهذا غير مستبعد، بتعديل الدستور الأميركيّ، ليسمح بالترشّح لولاية ثالثة، ومن هنا يأتي الحديث عن سيناريوهات متعدّدة ومتفاوتة، تجعل من غير الممكن أن نجزم،  كيف سيدير ترامب إدارته هذه المرة، فهو وعد خلال الأيام الأخيرة في حملته الانتخابيّة، ورغبة منه في كسب أصوات الجاليات العربيّة والإسلاميّة في أميركا- وهو ربما ما رجَّح الكفّة لصالحه في النهاية- بوقف أو إنهاء الحرب في غزة، دون أن يفصِّل كيف سيتم ذلك، فهل عبر مفاوضات غير مباشرة تضمن اتّفاقًا لوقف النار، وتبادل الرهائن والسجناء،

أم عبر عمليّة عسكريّة إسرائيليّة أوسع وأشد تكفل إبادة حركة "حماس" نهائيًّا، وتحدث عن إحلال السلام في لبنان، دون أن يسهب في تفسير الوسيلة،  ودون توضيح كيفيّة تحقيق ذلك. فهل سيطلب من إسرائيل سحب قواتها والموافقة على وقف إطلاق النار دون شروط، أو بشروط تتعلق باتفاقية 1701 من العام 2006،  أم سيتبنى موقف إسرائيل الذي ينادي بإخضاع حركة "حزب الله" كشرط لوقف إطلاق النار، أو على الأقل إبعادها نحو 40 كيلومترًا عن الحدود الشماليّة وإلى ما بعد نهر الليطاني، أم سيدعم "هجومًا بريًّا" واسع النطاق على أمل القضاء على حزب الله بشكل نهائيّ؟ وما دور إيران في كلتا الحالتين؟؟ كلها أمور غير واضحة المعالم تشعل النقاش والحوار في بورصة التكهنات السياسيّة المتعلّقة بترامب.

 

 

وعملًا بالقول الشهير عن بيل غيتس، المدير العام السابق لشركة "ميكروسوفت" الشهيرة للتقنيات العالية،  من أنه" لا يمكنك ربط النقاط بالنظر إلى الأمام ، بل يمكنك فقط ربطها بالنظر للخلف، لهذا عليك أن تثق في أن النقاط ستتصل بطريقة ما في مستقبلك" فإن محاولة استقراء نهج الرئيس القادم، أو الإدارة الترامبيّة القادمة هو ضرب من شبه المستحيل إن لم يكن  المستحيل بذاته، وما تبقى هو محاولة مراجعة الماضي، أو توجّهات وقرارات ترامب بكل ما يتعلّق بالقضايا ذات العلاقة، وأولها النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، خاصّة على ضوء إعلان وزير المالية في حكومة نتنياهو والوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش،

أن العام 2025 سيكون بداية ضمّ الضفة الغربيّة وغور الأردن إلى إسرائيل، ما يشكّل عودة إلى السيناريو الذي أرادت حكومة نتنياهو عام 2019  تنفيذه عبر مشروع قانون يؤيّد الضمّ، لكن إدارة ترامب منعته عبر اتفاقيّات المصالحة، أو السلام بين إسرائيل والإمارات العربيّة المتحدة والبحرين، لكنه يعود الآن إلى الواجهة يؤيّده المرشّح لمنصب السفير في إسرائيل مايك هاكابي، الذي وعد بتقديم المساعدة،  ومن هذا نشتق موقف الإدارة الأميركيّة القادمة من حلّ الدولتين، أو الحلّ المتوقّع  على ضوء مواقف ترامب الذي قال سابقًا، وفي نفس الجملة أنه يقبل أيّ حلّ يقبله الطرفان، سواء كان حلّ الدولتين، أو الدولة الواحدة،

أو أيّ حلّ آخر، في أفضل تعبير عن أن سياسته المستقبليّة تجاه الشرق الأوسط إنما يحدّدها مستشاروه، كما فعل مستشاروه في السابق جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات وسفيره في إسرائيل ديفيد فريدمان، ردًّا على التساؤلات حول مستشاري ترامب.

 

 

وهذا ما يمكن أن يشكّل السبب لتفاؤل اليمين في إسرائيل ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو  من أن ترامب سيمنح إسرائيل الحرية التامّة في اتخاذ القرارات والخطوات في الضفة الغربيّة وغزة،  إضافة إلى احتمال آخر،

وهو ان نتنياهو وحكومته يأملون في أن يتمكّن المستشارون ووزير الخارجيّة الجديد في التأثير على ترامب،  ومنعه من العودة إلى "غضبه" على نتنياهو لكونه سارع فور الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة عام 2020، إلى تهنئة الفائز جو بايدن على فوزه في الانتخابات، دون أن ينتظر اتضاح حقيقة الصورة في ادّعاءات ترامب حول تزوير نتائج الانتخابات، وبالتالي يجدر  بالجميع الانتظار حتى تتكشف الأمور، فترامب غير المتوقّع قد يتّخذ قرارات معاكسة خاصّة، وأنه من المعروف أنه لا يستشير ولا يشاور ولا يتعمّق في التمحيص، كما أنه لا ينسى الضغينة، وقد تكرّرت مرتين مع نتنياهو أولها في قضية تهنئة بايدن، والثانية في تراجع إسرائيل عن المشاركة في اغتيال قاسم سليماني،

وهو ما حذّر منه مسؤولون سابقون في إدارة ترامب السابقة،  إذ حذّروا كبار الوزراء الإسرائيليّين من مخاطر الافتراض المسبق بأن الرئيس الأمريكيّ المنتخب سيدعم المخطّط الإسرائيليّ لضمّ الضفة الغربيّة  وفق بتسلئيل سموتريتش، الذي صرّح بأن عام 2025 سيكون "عام السيادة في يهودا والسامرة (الضفة الغربيّة)"، بفضل عودة ترامب إلى منصبه، و كما قال وزير الأمن القومي الإسرائيليّ إيتمار بن جفير، الأسبوع الماضي،

إن "هذا هو وقت السيادة". او إعادة السيطرة على قطاع غزة كلّه أو جزئه، وهو ما أكّده المستشار السابق لترامب للشؤون الشرق أوسطيّة وموفده إلى المنطقة، جيسون غرينبلات، قائلًا إنه يفهم أولئك في إسرائيل الذين يحتفلون بفوز ترامب، بسبب الدعم القويّ الذي يقدّمه ترامب لإسرائيل، استنادًا إلى التسهيلات والمساعدات  العديدة التي قام بها خلال فترة ولايته الأولى، مضيفًا أن من الخطأ أن يفترض بعض الوزراء الإسرائيليّين أن فرض السيادة الإسرائيليّة في الضفة الغربية سيحدث بمجرد أن يؤدي ترامب اليمين الدستوريّة تقريبًا، مضيفًا أنه من الأجدر بهم  أن يتنفّسوا الصعداء. فعليهم أن يركّزوا في البداية على العمل بشكل وثيق مع رئيس الوزراء نتنياهو لتمكينه من تعزيز علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، والسماح له بمواجهة التهديدات والتحديات الهائلة التي تواجهها إسرائيل الآن، مختتمًا قوله بأنه سيأتي لاحقًا الوقت المناسب للنقاش حول بسط السيادة على الضفة الغربيّة، وباختصار يقول غرينبلات إنه حذار من التفاؤل المفرط، مقابل رئيس يعرفه هو، وتؤكّد نصائحه أنه غير متوقّع.

 

 

 

الأمر صحيحٌ في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط، بما في ذلك قضية التطبيع بين إسرائيل والسعوديّة. وهي حلم نتنياهو وحكومته ودولة إسرائيل، أرادوه الخطوة الأخيرة نحو سدّ الطريق أمام أي حلّ يضمن للفلسطينيّين كيانًا مستقلًّا،

وهو ما لم يتم لأسباب عديدة، رغم أنه اقترب من التحقيق قبل الحرب في غزة، ليبتعد اليوم كثيرًا، بعد إعلان السعوديّة أن دولة فلسطينيّة مستقلّة هي الشرط الأساسيّ، في تراجع كبير عن تصريحات سابقة تحدثت عن تحسين أحوال الفلسطينيّين، وبالتالي تتكاثر الأسئلة حول ما إذا كانت سياسة ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان، والتي اتّسمت بعدم احترام وقبول مواقف أميركا بإدارة جو بايدن،

بكل ما يتعلّق بأسعار النفط والعلاقة مع إيران والصين وروسيا، حتى أن بن سلمان تعمّد إهانة بايدن خلال زيارته للرياض بأن أرسل والي مدينة الرياض لاستقباله، ربما في ردّ على مواقف بايدن من حقوق الإنسان في السعوديّة عامّة وقضيّة اغتيال جمال خاشقجي في القنصليّة السعوديّة في أنقرة، إضافة إلى مواقفه المُطالبة بزيادة انتاج النفط في منظمة" أوبك بلوس" ، والتي رفضتها السعودية بالتنسيق مع روسيا بوتين، علمًا أن حقوق الإنسان لم تكن السمة الأساسيّة التي رسمت، أو سترسم علاقات إدارة ترامب بأيّ دولة كانت بما فيها السعوديّة،

حتى أن ترامب تجاهل في البداية قضية اغتيال خاشقجي، ثم تغير موقفه بعد أن اتضحت بشاعتها وصدق الرواية حول دور مقرّبي بن سلمان في ذلك، ليبقى السؤال حول ما إذا كانت عقلية ترامب التجاريّة، أي تحديد علاقاته مع الناس والشخصيّات والدول وفق المصلحة والربح، ستحسم الأمور هذه المرّة خاصة مع ابتعاد صديق بن سلمان، صهر ترامب جاريد كوشنير عن الساحة السياسيّة،

وهو الذي استثمرت السعودية مليارات الدولارات في صناديق استثماره الشخصّي، إضافة إلى أنه يجب الانتباه إلى أن بن سلمان أدرك أن عليه الموازنة بين علاقته بالولايات المتحدة وعلاقته مع الصين وروسيا، ورفض سياسة القطب الواحد، أو الولاء للقطب الواحد ،خاصّة وأن الأولى كانت عرابة اتّفاق استئناف العلاقات الدبلوماسيّة مع طهران، وإعادة فتح السفارات، وأن روسيا هي حليف الرياض بكل ما يتعلّق بالنفط وتزويد السعودية بالسلاح، وبالتالي فإن الحديث عن إدارة ترامب الجديدة وإمكانيّة ممارسة الضغط على السعوديّة، لتوقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل،

واستخدام قضايا السلاح وغيرها واحدة من وسائله، يبدو عبثيًّا، بل إنه يجافي الحقيقة السياسيّة الواضحة. وهي أن عوامل الضغط التي تملكها السعوديّة على الولايات المتحدة، بسبب علاقاتها المتينة ببكين وموسكو وطهران ، وسيطرتها التامّة على أوبك بلوس مع روسيا، أفقدت الولايات المتحدة أوراق ضغطها على الرياض، إلا إذا سارعت إدارة ترامب الحاليّة إلى عرض ميثاق تعاون عسكريّ تامّ وشامل،  ودون قيود على الرياض، وهو ما لا تريده إسرائيل عبر تصريحات أكّدت أنها تريد من الولايات المتحدة ضمان تفوّقها العسكريّ النوعيّ. وهو ما كان أيضًا في قضية تزويد الإمارات بطائرات "اف 35" بعد اتفاقيّات المصالحة حيث أصرّت إسرائيل على أن لا تشمل الصفقة تزويد الطائرات بتقنيات خاصّة ومعيّنة لضمان التفوّق النوعيّ الإسرائيليّ، هذا فضلًا عن تصريحات سعوديّة كان آخرها لوزير الخارجيّة فيصل بن فرحان حول كون التطبيع ليس مطروحًا على طاولة البحث، قبل إيجاد حلّ لقضيّة الكيان الفلسطينيّ، وهو تصريح يشكّل النقيض التامّ لما تم القبول به في اتفاقيّات المصالحة مع الإمارات والبحرين، أو ما تم الحديث عنه ضمن صفقة القرن في ختام ورشة المنامة الاقتصاديّة.

 

 

 

أوروبيًّا لا يختلف الأمر فانتخاب ترامب شكّل صدمة للأوروبيّين عامّة وأوكرانيا خاصّة، بعد أن أعلن ترامب وتكرارًا أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا لم تكن لتنشب لو كان هو سيّد البيت الأبيض، في تلميح ربما إلى علاقته المميّزة، بل الخاصّة جدًّا مع الرئيس الروسيّ، وسنفصّل لاحقًا، ومن هنا فإن انتخابه رئيسًا للمرة الثانية وعودته إلى البيت الأبيض يثير قلقا كبيرًا خوفًا من تغييرات في توجّهات السياسة الخارجيّة الأمريكيّة، خصوصًا فيما يتعلّق بالدعم العسكريّ الذي وفّرته إدارة الرئيس الديمقراطيّ جو بايدن لأوكرانيا منذ 2022 في مواجهة الغزو الروسيّ، بل موقفها منذ بداية الأزمة والذي يمكن اعتباره سببًا في عدم تجاوزها بفعل ضغينة شخصيّة يكنّها الرئيس بايدن للرئيس فلاديمير بوتين، وإصرار أميركا على أن تحدّد هي شكل وصيغة سياسة ومواقف الاتحاد الأوروبيّ تجاه الأزمة،

حتى خُيِّل للبعض أنها قائدة حلف شمال الأطلسيّ فعليًّا، خاصّة أن  مواقف كان الرئيس الأمريكيّ المنتخب قد لوّح بها تثير هي الأخرى قلق الأوروبيّين، منها فكّ الارتباط العسكريّ مع الدول الأوروبيّة، وفرض رسوم جمركيّة باهظة على بعض المنتجات وتخلّيه عن قضايا البيئة، وغيرها من التصريحات ما دفع الباحث في معهد جاك ديلور، سباستيان ميار،  إلى القول إن السكين هي فعلًا على رقبة الأوروبيّين،

إذ إن نتيجة الانتخابات الأمريكيّة تدفعهم إلى التنبّه، وهو الحال بل أكثر في أوكرانيا التي يخشى مواطنوها أن تكون العلاقات المميزة والحميمة بين ترامب وبوتين الحافز لواشنطن لفرض وقف للحرب لا يستجيب للمصالح الأوكرانيّة، باعتبار أن حسابات الربح والخسارة التي تحكم تصرفات ترامب الرئيس الجديد ورجل الأعمال دائمًا، ستجعله يميل إلى فرض حلّ دون مراعاة مصالح أوكرانيا.

 

 

 

يدخل ترامب ولايته الثانية متحرّرًا من الضغوط الانتخابيّة. وهذه حقيقة واقعة قد تقوده إلى اتجاهين متعاكسين في كافّة القضايا، فهو قد يكون جامحًا ومستقلًّا في قراراته يتّخذها دون ضغوط، أو اعتبارات انتخابيّة أو حزبيّة أيًّا كانت، أو أنه سيكون رئيسًا يسهل كسره فهو لن يترشح مرّة أخرى. وبالتالي لا تهمّه الإنجازات خاصّة الخارجيّة علمًا أنه يركز على القضايا الداخليّة وفي مقدّمتها ما وصفه" تنظيف وتنقية القطاع العامّ من الغرباء والدخلاء وغير الموالين"،

حتى لو تطلّب ذلك استخدام وحدات الحرس القوميّ، ونشرها في شوارع الولايات الأميركيّة. وهو اعتبار قد يكون  من جهة أخرى حاسمًا في حالة ترامب الذي يعتبر نفسه فوق الحزب الجمهوريّ، بل الحزب الجمهوريّ كله، دون منافس أو منازع، ليعمل فعلًا على تطبيق أجنداته دون أن يعير المعارضة، أو مواقف الغير من دول خارجيّة وهيئات داخليّة وحقوقيّة وأمميّة أيّ اعتبار، لكن لا شكّ وبغضّ النظر عن كل الحقائق أن عودته إلى البيت الأبيض،

تحمل تبعات طائلة وبعيدة المدى على إسرائيل والشرق الاوسط وأوروبا والعالم. ومن هنا يمكن الجزم أن إسرائيل ستحقّق من المكاسب والإنجازات الكثير إذا فهمت قواعد اللعبة مقابل ترامب في ولايته الثانية وتعاملت معه بحكمة، وفوق ذلك بصراحة ووضوح، وإذا ما فهمت منطلقات تصريحاته ومواقفه حول إنهاء الحرب في غزة ولبنان ، وهما جبهتان لن تجرؤ إسرائيل  فيهما على معارضة مواقف وقرارات وربما نزوات ترامب،

وبالتالي ورغم أن انتخاب ترامب يشكّل في نظر إسرائيليّين كثيرين من اليمين "شيكًا على بياض"(كارت بلانش) لمواصلة وتصعيد الحرب على هاتين الجبهتين، فقد يتّضح أنه سلاح ذو حدّين، قد يستخدمه رئيس الوزراء  نتنياهو مبرّرًا لإنهاء الحرب، مدّعيًا أنه لا يمكنه مواجهة موقف الرئيس الأميركي الذي فرض عليه وقف إطلاق النار، فهو  أي ترامب ليس بايدن عديم التأثير وليس براك أوباما، كما حدث في مفاوضات كامب ديفيد عام 1979 حين رفض مناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيليّ حينه  طلب الرئيس المصريّ أنور السادات،

الانسحاب من مستوطنات سيناء ومن سيناء كلها، ليهدد الرئيس الأميركيّ حينه جيمي كارتر  وبإيعاز من موشيه ديان وزير الخارجيّة الإسرائيليّ حينها بوقف كافّة الدعم العسكريّ لإسرائيل إذا رفضت الانسحاب، وهو الأمر في توجّهاته ومواقفه تجاه إيران التي ألغى معها الاتفاق النوويّ عام 2018، وفرض عليها عقوبات اتضح أن نتائجها كانت معاكسة تمامًا أوصلت إيران إلى عتبة صناعة قنبلة نوويّة، وهنا تراوح الإمكانيّات بين عمل عسكريّ ضد ايران، أو محاولة للمقايضة، ومحاولة لتأخير الموضوع ، مع الإشارة إلى أن الاحتمال الأول يبدو بعيدًا، فترامب لا يريد الحروب ولا يبادر إليها، بل أعلن أنه يريد أن ينهيها ،إلا إذا كان لمستشاريه رأي آخر استطاعوا إقناعه به.

 

 

 

على كل حال فإن البوادر الأوليّة ووفق أسماء وسياسات الشخصيّات المرشحة لتولي المناصب الرئيسة، تشير إلى أحد أمرين فإما أنه توجّه نحو سياسة جامحة ومتطرّفة تشكّل استجابة لكافّة أحلام اليمين الإسرائيليّ في كلّ القضايا المتعلّقة بالضفة الغربيّة وغزة ولبنان وإيران، أو أنها العكس تمامًا فهي القول وباختصار: اخترت أنصاركم ومؤيّديكم وهذه قرارات إدارتي وفق رؤية مصلحة بلادي أوّلًا،

فترامب يهمّه ترامب أوّلًا، وقراراته واعتباراته مبهمة لا يفهمها إلا هو. وما علينا حتى العشرين من يناير 2025 وبعدها حتى نهاية ولايته الثانية عمليًّا في يناير 2029 (الانتخابات الرئاسيّة القادمة في تشرين الثاني عام 2028)،

إلا أن ننتظر ونسأل، بل نتساءل حول المُتَوَقَّع من هذا الرئيس  المبهم وغير المتوَقَّع؟؟ ولكن قبل ذلك قد يعيد التاريخ نفسه ليتكرّر السيناريو الذي شهدته الأيام الأخيرة من رئاسة باراك أوباما، والذي سمح لمجلس الأمن باتّخاذ قرارات ضدّ إسرائيل، دون أن تستخدم الولايات المتحدة، كعادتها،

حقّ النقض الفيتو، ليسمح جو بايدن في الأيام الأخيرة لولايته  هو الآخر لمجلس الأمن باتخاذ قرارات ضد إسرائيل تُلزمها بوقف الحرب والانسحاب من جنوب لبنان ومن غزة، انطلاقًا من إيمانه وإيماني أيضًا ، أن إسرائيل لن توقف الحرب طواعية، وأن وقفها سيتم فقط بقرار أميركيّ مباشر، أو قرار أممي تدعمه أميركا.. فلننتظر!!!

 

תגובות

מומלצים