ذاكرتان في آذار لا تُنسيان في تاريخ الطائفة والامة

الشهيد المعلم كمال جنيلاط: لقد بلغ كمال في العلم قمة كبيرة فاتقن عدة لغات وجال في البلاد بحثا عن العلم فدخل البلاد غامضة المعتقدات كالهند ووصل الغرب ، تسمى بالمعلم وهذا الاسم لا يمنح إلا لمن بلغ الكمال الانساني

19.03.2017 מאת: منير فرّو
ذاكرتان في آذار لا تُنسيان في تاريخ الطائفة والامة

وسما في جوهرية العقل والنفس وشرّف نفسه عن حب الذات والأنانية وربّاها على الاخلاق والفضيلة والبعد عن المادة والشهوات، ففتح افاقه في معرفة الذات الالهية وتبحر في فلسفة علوم الاديان السماوية وعرف حقيقتها وهي ان الاديان والمذاهب كالجداول تتجمع لتشكل نهرا واحدا يصب في مصب واحد هو توحيد الخالق والإيمان برسله واحترام النفس البشرية وصيانتها من القتل الروحي والجسدي، وتدنيسها بالشهوات البهيمية.

 من خلال تأملاته وتفكيره والغوص في ذاته استطاع ان يؤلف مؤلفات تحمل افاقا وأبعادا فكرية وفلسفية في علم الروح والبدن والطب والسياسة والآداب، واضعا بذلك قوانين للنفس البشرية لتتلأئم مع قوانين الطبيعة، لذلك اتبع المعلم منهجا وأسلوبا لحياته في اكله ومشربه، حيث لا يأكل إلا النبات الغير مطبوخ، ومتجنبا المصنعات من الاغذية، لأنها سبب الامراض، ويبحث عن الهواء النقي في الجبال، ويجلس القرفصاء متربعا، متبعا رياضة اليوغا، وأما ملبسه فهو اميل الى الزهد ,لقد عبّر عن السياسه بانها يجب ان تكون شريفة لتقود المجتمع الى طريق السلامة، وذلك عن طريق النخبة الصالحة، دون ان يرشح احد نفسه، ففي حال قيام الفرد بترشيح نفسه اصبح عنده غاية ذاتية، قبل ان تكون غاية لأجل المجتمع، فهو بذلك ينظر الى الديمقراطية الغربية بالسلب لا بالإيجاب، كونها تمنح اسفل الطبقات لان ترشح نفسها، مستخدمة المال لنيل اربها.

 لقد وضع المعلم افكاره في عدة كتب منها: كتاب "ادب الحياة"، و"وثورة في عالم الانسان"، و"العلاج بعشب القمح، "و"الديمقراطية الحديثة"، و"فيما يتعدى الحرف"، و" حقيقة الثورة اللبنانية " وغيرها، من المؤلفات التي تحوي ادبا وشعرا وفلسفة,

 لم يكن كمال بعيدا عن مجريات الامور السياسية في لبنان، والوطن العربي، وحتى في العالم، فقد بنى حزبا تقدميا اشتراكيا لإيمانه بالاشتراكية التوافقية لمصلحة الوحدة اللبنانية، وبعيدة عن الطائفية الفئوية.

 تقلد مناصب في البرلمان اللبناني، وناضل من اجل وحدة لبنان وتقدمه، فلم يهمه حزبا معينا، بل كان يبدي رأيه لخصومه السياسيين، ويوضح لهم اخطائهم السياسية ليرتجعوا عنها، حرصا على كرامة لبنان وشعبه.

 لقد جالس وعاشر معظم الرؤساء والقادة العرب، ورسم لكل واحد منهم صورة في مخيلته، فسمى جمال عبد الناصر بـ "بسمارك العرب"، وياسر عرفات بـ "سبع أرواح"، ومعمر القذافي "مزاجي ما بيتكل عليه"، وسليمان فرنجية "سكران بالفروسية"، ورشيد كرامي "احترق لبنان والأفندي نايم"، وكميل شمعون "خرّب لبنان".

 لقد وقف كمال مع الوحدة العربية، فوقف الى جانب جمال عبد الناصر، والذي نال الزعامة بفضل تعاليمه الاشتراكية والوطنية، وناصر الشعب الفلسطيني، بعكس معظم الاحزاب والمليشيات اللبنانية، التي اتفقت على ضرب الفلسطينيين اللاجئين في لبنان.

 وقال عن خسارة العرب لفلسطين عام 1948 :

" لان العرب لم يعرفوا كيف يتفقون على موقف ايجابي واضح، ولأنهم اساءوا فهم الطائفة اليهودية، ولأنهم غير متماسكين بل متناحرين ".

 ومما يحكى عنه انه دعا بعض زملائه الوزراء الى مأدبة في قصر المختارة، ففرحوا ظنا انه سيلاقيهم بالمناسف والقوز والقصوص والمشاوي، ولكنهم فوجئوا بمائدة من حواضر البيت، زيتون، زعتر، لبنة وبيض، فوجموا صامتين، فانتهرهم قائلا : ما بالكم تحجمون عن تناول زادي، هو عشاء واحد تتناولونه مرة واحدة في حياتكم، فما بالكم بآلاف ابناء الفقراء الذين يكادون لا يجدون مثل هذا الزاد "؟

 هكذا قام المعلم بتلقين الوزراء درسا في الشعور الانساني مع الفقراء والمعوزين، وكأن لسان حاله يقول لرؤساء العالم اين انتم وصراعكم على المناصب ؟ اهتموا بحال الفقراء والمساكين ومعاناتهم، الذين لولاهم لم تصلوا الى ما انتم عليه .

 ويذكر عنه ولحرصة على تعليم الاولاد، انه بكى عندما رفضت الحكومة اللبنانية طلبه بتعيين 500 معلما بحجة ان الخزينة خاوية .

 لقد تنبأ كمال بسقوط روسيا الاشتراكية الشيوعية في حال عدم تعديل بعض النقاط، وهكذا حدث فعلا سقطت وتفردت أميركا  بالهيمنة.

 وأخيرا لا يمكن للسطور ان تف حق هذا الرجل، وستبقى البشرية جمعاء مدينة له لأفكاره وآراءه، التي فيها صيانة الانسانية من التمييز العنصري  والعرقي والديني، لأنه دعا الى دولة تشبه جمهورية افلاطون الفاضلة، او اراء المدينة الفاضلة للفارابي، او كمدينة توماس مور التي اسماها " اليوتوبيا " وتعني البلد الذي لا وجود له لمثاليته، التي من النادر ان نجدها في عالمنا المادي هذا.

  وستبقى تعاليمه حجة على السياسيين الذين اعاثوا في الارض فسادا لإتباعهم سياسة الاهواء والمقاصد، ففرقوا الشعوب بالتلاحم والنزعات الطائفية  رحم الله الشهيد المعلم . يتبع في العدد القادم.

תגובות

מומלצים