حين تكذُب الصحافة

نرى, ولمزيد الأسف, بعض صحافتنا وقد تخلّت عن شعارات الحبر على ورق, كالنزاهة والمصداقية واتّبعَت طريق الضلال والتضليل, حتى صارت المهنة المقدسة سلعة في السوق السوداء, وبات يبدو أنها باعت الضمير الحيّ ومشَت في طريق وعر لا يليق بالصحافة المستقيمة.

10.06.2016 מאת: سامي منصور
حين تكذُب الصحافة

فبعض صحافتنا تنادي للديمقراطية وحرية الرأي بينما لا تعرف منها إلا ما يُملى عليها, فغدَت مسرحا للإشاعات المغرضة والتحريض والافتراء, وجعلَت من نفسها منبرا للقيل والقال مستخفّة بوعي القراء, نرى في بعض صحافتنا عشوائيةً ورُخصا وتعاطفا وتحيّزا وفئوية, مع أن وظيفة الصحافة وسائر وسائل الإعلام هي الإصلاح والتنوير وليس الهدم والتضليل.

وبعض صحافتنا لا تُحسن ادّعاء الاستقلالية, وأخفقَتْ بمحاولة إبراز حيادها السياسي, فبانت ميولها واضحة حتى في أعين تلاميذ الابتدائية.

إن مهنة الصحافة المحترفة متعِبة ومرهِقة, خاصة وأن الصحفي مطالَب بالالتزام بأخلاقيات الصحافة وبميثاق شرف المهنة, كما أنها خطيرة وذات أهداف نبيلة في نفس الوقت, وهذا مرهون بضمير الصحفي وعدم انحيازه, وعدم نشر الأخبار المزوّرة, وعدم التلاعب بأحاسيس القراء لجذب تعاطفهم مع فئة دون أخرى.

وحين تصبح الصحافة وسيلةً للمصالح الذاتية التي لا تبالي بسلامة المجتمع, وحين تعتمد على مجرد " قصص" للترفيه مُشبعَة بالتحريض والأباطيل تنحدر نحو هاوية الضياع, وتصبح ما يُسمّى " أوراقا صفراء ".

ويقول أستاذ الصحافة في جامعة اوتاواة  كندا : تصبح الصحافة هابطة حين تبحث عن الفائدة, من خلال حِيَل رخيصة دون الشعور بالمسؤولية, وحين يوظّف الصحفيون مسؤوليتهم المهنية من اجل المال والشهرة ". وقول د. محمود عيد من نفس الجامعة: " سلوك العقلانية يحتم على وسائل الإعلام أن تكون صادقة وتلتزم بالمبادئ الأخلاقية, فإذا شوَّهت الحقائق فقدَتْ مصداقيتها أمام الجمهور".

وتُعدّ الصحافة بحق " السلطة الرابعة " مثل السلطات الثلاث المعروفة, التي يكوّن فصلها مبدأ الديمقراطية (القضائية والتشريعية والتنفيذية), فعلى الصحفي المهني أن يفصل بين تعاطفه ومهنته بحيث يكون بارد الأعصاب بعيدا عن المزاجية, وتصوّر أيها القارئ الكريم أي ظلم يقع على المواطن, إذا عملَت إحدى السلطات وفق مزاج أعضائها.

هذا وتختلف فلسفات الصحافة في الآراء والتحرير, إلا أنها يجب أن تجتمع على مبادئ معيّنة منها إتباع الحقائق بكاملها والدقّة والموضوعية والحياد والتسامح والمسؤولية, مع العلم أن للصحفي ميثاقا يماثل ميثاق الطبيب.

ويظهر جليا أن هناك فئاتٍ تحاول بوسائل مختلفة السيطرة على ساحة الإعلام المحلي, أو بعضه, وهذا يؤثّر على إظهار الحقيقة التي تريدها مثل هذه الفئات, لأن الإعلام هو حلقة الوصل بين المسؤول الإعلامي وخفايا عمل السياسي, والسيطرة عليه تجعل من الإعلام أداة لإظهار ما تريده هذه الفئة أو تلك, ومِن هنا تقصر الطريق لأنْ تصبح وسيلةُ الإعلام وسيلةَ تعليمات, ومسرحا شخصيا ومنبرا فرديا لإطلاق الإشاعات على أنواعها, وللإشاعات تأثير كبير في حياتنا.

والإشاعة هي المعلومات أو الأفكار التي يتناقلها الناس, دون استنادها إلى مصدر موثوق يشهد بصحتها, وهي الترويج لخبر مُختلَق لا أساس له من الواقع أو يحوي جزءا يسيرا منه.

وقد تكون الإشاعة مخفيّة يُظهِرها مَن له غرض بذلك في الوقت الذي يلائمه. وهناك إشاعات مصدرها الخوف تُروَّج وتُختلَق كل مرة من جديد بعناوين مختلفة, وهناك من يختلق الإشاعات كنوع من الأمل لتحقيق استقراره النفسي, وهناك الكراهية والحقد والإحباط التي تدفع أشخاصا لافتعال الاتهامات بسبب النقص الذاتي, وكذلك حب الظهور عند مروِّج الإشاعة, كأنه على علم ببواطن الأمور وشريك مع صانعي القرارات لكي يجذب انتباه الناس له, ومحاولة نيل تأييدهم في محاولةٍ لتخفيف الضغوط النفسية التي تحاصر ذهنه.

إن للصحفي معاييرَ وقواعد يجب أن يعمل بموجبها, فعليه أن يرتكز على المهنية والقوانين الأخلاقية, وليس من حقه أن يعمل عمل القاضي والجلاد, وعليه كتابة التقارير بدقة وبدون تحيّز, وفقا للحقائق التي يعرف مصدرها وليس تلك التي يريد المصدر أن ينشرها, كما عليه كتابة تقاريره بصورة متوازنة دون محاولة التأثير على القارئ, وعليه اجتناب الفقرات التي تدعو إلى العنف, وعدم قبول أي إغراء من أية شخصية أو فئة, فمن هنا ندعو صحفيينا إلى الالتزام بأخلاقيات الصحافة والنزاهة والتوازن وعدم الانجرار وراء العاطفة والمزاجية, وعدم التلاعب بأحاسيس القراء ومشاعرهم, فما انتم إلا رسل لمبادئ سامية, وقد رأينا في السابق إعلاما فئويّا ذهبَ مع الريح ولم يعُد.

תגובות

מומלצים