الرّجُل الصرصار

نحن نعيش في زمن حالك, يقع المرء به في حيرة أن يرد على افتراءات البعض أو أن يسكت عنها. ولكن يظهر أن تجاهل التبجحات يزيد من تمادي البعض في الغيّ والتطاول خاصة على من يفوقها علما وأدبا وأخلاقا وثقافة ومكانة وكرما وإيمانا.

22.08.2015 מאת: سامي منصور
الرّجُل الصرصار

ولا بد من ذكر بعض علامات القيامة التي نعيشها, وهي أن يصبح دينَ البعض دنانيرُهم, وإرادة أرذل القوم أن يصير كبيرَهم, ولكن نُذَكّر بقول الرسول (ص): " إنها ستأتي الناسَ سنون خدّاعة يُصَدّق فيها الكاذب, ويُكَذّب فيها الصادق, ويُؤتَمَن فيها الخائن ويخون فيها الأمين ويَنطُق بها الرُوَيْبضة " (السفيه الذي يتكلم في أمور العامة). والغريب أن هناك أنواعا من بني البشر تتصنع وتعتقد في نفسها الذكاء, مستخفةً بوعي الناس وفهمها.

وهذا الصنف من الناس يجعلني  اشعر بالغثيان, وأنا أراها تحاول الظهور لإثبات وجودها, وشدّ انتباه الناس لها ولو بأذية غيرها بالكذب والافتراء والبهتان, فهي في نظري أشبه بالطفيليات التي تفرض نفسها فرضا على غيرها, كطائر" أبو زريق " الذي يخرب الثمار ليس فقط لأنه جائع بل حبا بالخراب,

وهذا النوع شبيه بالعقرب الذي يلدغ حبا بالأذى وليس دفاعا عن نفسه, ولكن يليق بها أكثر لقب" صرصار الليل " الذي يتقن الاختباء في الظلام  ويزعج الناس بصرصرته. وقال احد الفقهاء : " في آخر الزمان بهّاتون عيّابون فاحذروهم فإنهم أشرار الخلق, وليس في قلوبهم نور الإيمان, فلا يرتفع لهم إلى الله عمل".

وقال سبحانه وتعالى : " فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ليضلّ الناسَ بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" ( الأنعام 144 ). هذا النوع من الناس ( ؟! ) أفقدَه الحقدُ الأعمى بصيرتَه, وأضاع الضميرَ في المياه العكرة التي يحاول الاصطيادَ بها, فراح يكيل الاتهامات الباطلة والشائعات الكاذبة على مَن أعلى منه مرتبةً, واشرف محتداً وانصع صفحةُ, وأطهر نفْسا وأنقى يداً, فاللقب اللائق به هو اللؤم الذي يؤدي إلى" الفسق" لأنه جاء لمحاولة تخريب بيوتٍ عامرة بالحب والألفة والتفاهم والخير والشرف والكرامة  والعطاء, وهذه اصطلاحات لا توجد في قاموس البعض, وفي أمثالهم يقول جل وعلا : " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " ( الحجرات 6 ).

ويبدو أن ما حدث في 5.11.2013 في عسفيا لم يرُق لبعض أصحاب العقول المتحجرة والقلوب السوداء, الذين لم يستوعبوا أفكارا جديدة بنّاءة لخدمة المواطنين, وأرادوا الركود وعدم تغيير سياسة العائلية والمحسوبية والمحاسبات الشخصية والإعفاءات العشوائية, فقاموا بمحاولات الصيد في مستنقع سامّ, وترويج بضاعتهم الكاسدة الفاسدة ضاربين عرض الحائط بصحة الناس. وقام بعض " حماة الديار ", ذوي مصالح خاصة  بإرسال مئات الرسائل إلى مختلف الوزارات, فيها الاتهامات الباطلة والأكاذيب المضللة, الهدف منها الإطاحة برئيس انتُخب من قِبل ثلثي السكان تقريبا.

وهؤلاء هم السبب في توقّف المشاريع الحيوية, فعسفيا لا تعني لهم شيئا,وأهمّ من عسفيا أن يرحل هذا ابن .... الذي يريد " سياسة جديدة لا نستطيع أن نألفها". ولما خاب فألهم سياسيا تفتّق الذهن الإجرامي عن خطة جهنمية, " طُبِخَتْ " في توقيت ملائم لهم,  بزجّ إنسان بريء إلى مأزق اجتماعي حساس, غير مألوف في مجتمعنا, متخلّين عن القيَم الإنسانية, غير عابئين بما قد يترتب من عواقب وخيمة على كل المجتمع, متجاهلين أن مَن كان بيته من زجاج متصدّع لا يقذف الناس بالحجارة. وبما أننا نعيش في مجتمعٍ الكلّ في يعرف الكل, فأنا اعرف وجيه كيوف منذ كان صبيّا في السادسة عشرة, بحُكم النسب الذي يفخر به كل إنسان, فقد ترعرع في بيت دين وتربّى على المبادئ التوحيدية, والأخلاق الحميدة والسلوكيات الحسنة والعمل الجادّ والحب لبلدته. وأنا هنا لست بصدد الدفاع عنه فقد كانت بيننا خلافات كثيرة في الآراء,

ولكن إظهارا للحق الذي يصرّ البعض على إنكاره. على مدى سنين طويلة عمل وجيه في مراكز محترمة, فقد كان مسؤولا في وزارة التربية والتعليم عن زهاء 15000 مدرِّسة, من النقب إلى الجليل, وكان مديرا لبرنامج " بيراح " في جامعة حيفا, وعمل مديرا في شركة المراكز الجماهيرية والتقى في مجالات عمله بآلاف النساء والصبايا  من شتى الأعمار والألوان, فلم نسمع عن شائبة تمسّ الشرف في تصرفاته, إلى أن حطّ  في وظيفة ناكرة للجميل فأحدثَ انقلابا في المفاهيم والعمل بإخلاص, وأنا أرى كيف يعمل الرّجلُ الليلَ قبل النهار لمصلحة بلدته, من باب المسؤولية والحب لبلدته وترابها, ونحن نرى أناسا فاشلين في إدارة منزل, فكيف بالحري إدارة بلدة مثل عسفيا فيها ما فيها من الذئاب, تريد أن " تأكلها لحمة وترميها عظمة ".

وأهم ما أعرف عن وجيه انه لا يتقن التمثيل, ولا يحب " العبط والبوس", ولكن خلف الوجه " الصارم " والقناع " القاسي " يختبئ قلب رقيق وعاطفة جياشة وإحساس مرهف. ووالله لو رأيت من وجيه تقصيرا في عمله, أو لا سمح الله إخلالا بالشرف لكنتُ أول من تخلى عنه, وربما أكثر من ذلك فأنا لست بحاجة خاصة له أو لغيره, ولكنّي اعرف العجينة الطاهرة والخميرة الزكية التي أنتَجَت هذا الخبز الطيّب, ولطالما رأيت دموع وجيه حين يستمع إلى الأشعار الروحانية أو حتى شفقةً على مَن يتألم. مِن اجل ذلك نحن نعرف " الطبخة " ونعرف  "الطباخين ", وكلنا على ثقة بطهارة وجيه التي ستُظهر براءته الغير قابلة للشك, بعون الله,  قريبا أكثر مما يتمنى البعض.

وهنا لا بدّ من صرخة استهجان وغضب : أين انتم يا مشايخ ووجوه الطائفة ؟ أين انتم يا أكادميين ومثقفين ؟ أين انتم أيها السياسيون ؟ لقد حدَثَ حدْثٌ غريب في مجتمعنا, وطرأ طارئ لم تألفه الطائفة التوحيدية وحتى المجتمع العربي, وبغضّ النظر عن الأسماء والألقاب والمراكز, ومنعا لظلم أية فئة من الفئات  يجب الإسراع باستنكار هذه السابقة الخطرة, والتي قد تحدث في أي مكان استنكارا عارما,  قبل أن تؤدي إلى تفكيك الأسر والحمائل والمجتمع برمّته, كما يجب الابتعاد عن المصالح الضيقة والغايات الحمولية السياسية, فالحياة الاجتماعية أهم وأبقى من الحياة السياسية.  فكّروا بعقولكم وليس بقلوبكم ومهمتكم هي الحفاظ على النسيج الاجتماعي,

الذي يحاول فاقدو الضمير تمزيقه. إياكم والتهاون في مثل هذا, فالتهاون ودفن الرأس في الرمل ( حايد عن ظهري بسيطة ) سيودي بنا إلى هاوية الضياع, وستصبح قرانا غابات يسود فيها الإجرام, وإذا لم تأخذوا زمام الأمور بصرامة لن يطول اليوم الذي يتولى السلطة فيه أصحاب رؤوس الأموال, بالتعاون مع المجرمين على نمط " المال والسلطة وعالم الإجرام ", وبالعبرية " הון שלטון ועולם תחתון ". هل كانت آباؤنا وأجدادنا تحل المشاكل بهذه الطريقة؟ هل يجب أن يتطور الخلاف في الآراء إلى خلاف اجتماعي ؟ قد يحصل هذا ولكن في مجتمعنا المحافظ هناك خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها, وإن قانون " التحرش " لا يلاءم مجتمعنا ويجب عدم استغلاله لغايات سياسية ضيقة.

أما اختيار العنوان فهو ليس صدفة, وهو عنوان رواية رائعة للكاتب الروسي الشهير دوستويفسكي ( الجريمة والعقاب), كتبَها في القرن التاسع عشر لكنها تلاءم كل عصر, موضوعها قصة شخص بائس مكروه أصيبَ بالإحباط, يعيش في سرداب تحت الأرض, فتوجّه نحو التهميش لكي يعيش كما يرغب بعض الناس, ولكي يضمن لنفسه تواصلا اجتماعيا غريبا.

وفي إحدى محادثاته مع نفسه يقول الرجل بحنق شديد : " أنا إنسان مريض, إنسان حقود ممقوت, أنا صرصار سقيم لكني لا اعرف شيئا عن مرضي, ولا استشير طبيبا رغم أني احترم الأطباء والعقاقير, إضافة إلى أني متعلق بالخرافات, ومهما يكن فأنا مثقف كي لا اصدقّ الخرافات إلا أني أؤمن بها. أنا اعرف أن الله  موجود لكني لا أؤمن بوجوده لأني لم أره ولم ألمسه ".

وأخيرا دعونا نصفي النوايا ليصلح عملنا, هيا نعمل سوية لبناء عسفيا واحدة موحَّدة محبّة, فلننسَ الماضي ولنعش يومنا هذا لنغتنمه, فليس باستطاعتنا قراءة المستقبل, وبإمكان هذه القرية أن تصبح جنّةً إذا صحّت النوايا, وتعاونّا جميعا على البر والتقوى.

فليعُد كل منا إلى نفسه ليوقظها, وليحاسب كل منا ضميره, وأنا أريد أنْ أؤمن أنّ في كل إنسان جذوةً من الخير, وكل ما عليه هو إذكاؤها.

תגובות

מומלצים