صحافة هرة

كلا أيها السادة,فهذا ليس خطأ مطبعيا,وإنما صحيحا متعمَّدا إذ لم نقصد"صحافة حرة" فاقرءوا لتعرفوا القصد,وسياوفقني الكثيرون الرأيَ لانّ الأكثرية تحب الحق وتبحث عنه,بل إن هناك من يراه  ويزوغ عن طريقه لأنه مؤلم لمن لا يؤمن به كما يزوغ الهرّ من خطر داهمه

09.05.2015 מאת: سامي منصور
صحافة هرة

والهرّ مخلوق عجيب,فهو ذكي عندما يرى مصلحة له ويتغابى حين تبتعد عنه المصلحة,وهو يحب اللعب واللهو خاصة بفريسته,فيراوغها ويمسك بها ويفلتها ثم يقلِّبها بين يديه حتى يغلبها الوهن فترضخ صاغرة لمصيرها.

وهو مولع بصيد الفئران والحشرات لكنه لا يأكلها بل يلقي بجثثها أمام البيت كي يربت صاحبُه على ظهره كأن لا غنى عنه وانه حارسه الأمين وخادمه المطيع.

ومع أن الهرَّ من فصيلة آكلي اللحوم (المفترسين), إلا انه كثيرا ما يأنس للإنسان ويحب العيش بجواره,خاصة إذا وجد مرتعا لطعامه وشرابه ,فتراه يجيد التملق ويكثر من الاحتكاك بالإنسان لينال ما يبغيه من الطعام والحنان.

وهذا الحيوان المفترس الأليف مستدير الرأس قوي الفكّ,يحتوي فمه على ثلاثين سنا حادة لتقطيع وتمزيق الطعام,

وليس له طواحين فهو يسرع بابتلاع طعامه دون أن يمضغه.وهو قناص ماهر وصياد بارع وله  قدرات خاصة كتسلق الأشجار العالية,لينهب عشا أو ليهرب من خطر, والجري بسرعة فائقة.

أما أهم ميزة فيه قدرته على الرؤية في الظلام,حيث يتسع بؤبؤ العين فيستطيع رؤية ما لا يراه الإنسان,وأما لون عينيه فيختلف حسب القزحية ويغلب عليه اللون الأصفر والأخضر والأزرق.

ورغم كونه مفترسا إلا انه على الغالب جبان,يخاف مَن يفوقه حجما أو اغربَ شكلا ويستخف بمن اقل حجما منه.وعدا عن ولعه باللحوم يحب الهرُّ الجبنَ,وقلّما نراه يشبع وحتى إذا شبع نراه يدافع عن طعامه بضراوة, فيقوّس ظهرَه وينفش فروتَه وينتصب شاربُه ويموء مواء التهديد,ويبرز براثنَه الحادة التي تكون عادةْ مخبأة تحت جلد أطرافه.

ذكرتُ لحضراتكم بعض أوصاف الهرّ بعد أن راقبت هرا اصطاد حشرة ما,فسرعان ما تراءت لي أوصاف بعض صحافتنا الكرملية, فوجدتها في اغلب الأحيان مطابقة لأوصاف الهرّ,فصحافتنا "ذكية"من اجل مصلحتها الذاتية,إلى درجة استعدادها التخلي عن مبادئ الرسالة المقدسة,والانقضاق على فريستها, لتمزقها وتنهشها وتبتلعها بدون مضغ.

وهي مستديرة الحركة كباب غرفة الاستقبال في الفنادق,وهي قناصة ماهرة ولكن ليس بمهارة الهرّ, إذ أنها تنتظر اغلب الأحيان  بجانب مياه عكرة لتصطاد فيها,وكثيرا ما لا تحسن انتقاء"الفريسة" فتظهر هذه اكبر منها حجما, وحين ترى انه لا يمكن اصطيادها تنفر منها وتناصبها العداء,وتتربص بها في كل خطوة وتراقب كل حركة, وهي سريعة الجري وراء الصيد وكثيرا ما لا تتمكن من الإيقاع بهدفها لكن هذا لا يحبط من همّتها لأنها ذات جلد قاس وإن كان مرنا.

كما أنها تحسن الرؤية في الظلام, بل إنها تفضِّل العمل به لانّ الظلام يستر العيوب,ولانّ الفريسة قلما تكون متنبهة لما يحيط بها من متربصين.

أما لون عينيها فيتغير حسب "الفرص" المواتية لها,ولكن اخذ يغلب عليها اللون الأصفر كلون العشب اليابس, ورغم أنها ترى في نفسها "مفترسة" إلا أنها ميالة للجبن "ليس من صنع تنوفا",فهي جبانة تخشى مَن اكبر منها حجما كحجم الحق والحقيقة, وتخاف مما ليس مألوفا في عرفها لأنها مليئة بالشعارات الفارغة التي لا تزيد من وزنها, ولكثرة ولعها بالجبن تقف عاجزة أمام الحق وتتبع الباطل, وتحاول الدفاع عن نفسها بإبراز براثنها المبتورة بمقصات الذهب, وتموء مواءً فيه ما فيه من الإزعاج للذوق السليم.

وهي أشعبية لا تعرف الشبع فأصيبت بالبطر لكثرة ما يُلقى إليها من بقايا طعام, فصارت لا تستطيع التمييز بين الفاسد والسليم,

وبين المفيد والمسيء,فالمهم أن يكون لديها طعام.أما عن التملق فحدِّث ولا حرج,ففي هذه الخصلة تتفوق صحافتنا على امهر الهررة,فهي بارعة بالاحتكاك واللف والدوران والتزلف والنفاق,وهي تطأطأ رأسها أمام من يطعمها وترضخ صاغرة أمام من يهددها بصورة أو بأخرى.

فيا "صحفيينا"الأشاوس,أنا اتهمكم على رؤوس الأشهاد بخيانة الرسالة السامية التي بُعِثتم لنشرها,بعد أن تخليتم عن شعارات الحبر على ورق كالنزاهة والمصداقية والجرأة,واتبعتم طريق الضلال والتضليل فصارت المهنة المقدسة سلعة في السوق السوداء.

لقد بعتم الضمير الحي ومشيتم في طريق وعر لا يليق بالصحافة المستقيمة,فتنادون للديمقراطية وحرية الرأي وانتم لا تعرفون منها سوى ما يُملى عليكم ,حتى ساد الانطباع أن وجودكم كعدمه .

لقد أصبحَت بعض الصحف والمواقع مسرحا للإشاعات المغرضة والتحريض والافتراء,وجعلتم الصحافة منبرا للقيل والقال وما زلتم تستخفون بوعي القراء,فصار الأولى بكم لفّ بضاعتكم وإلقاءها بعيدا بعد أن ملّت الناس رائحة العفن والفساد, وبدلا من المجاهرة بالحق والحقائق أخذتم تتقاذفون كرة النزاهة والشفافية حتى خرجَت من ملاعبكم,

وعلى مدى سنوات لم نرَ في كتابتكم ما يفيد المجتمع,مع أن وظيفتَكم هي الإصلاحُ والتنوير وليس الهدم والتضليل فصار لقب "هرة"كبيرا عليكم, ولو كانت صحفنا تُباع بشيكل لبقِيَت في المطابع.

תגובות

מומלצים